وضعت يدها أعلىٰ وجهها شاعرة بإتحاد الكون أجمع لإفساد يومها..يكفي رؤيته هو والآن؛ لتنطق مِن بين أسنانها:
_ عابد!
عقب مُذكرًا إياها بلقبه السابق:
_ هو بعينه مهجور الرحمة.
"طب كويس إنك عارف"
لا تدري كيف لم يُفلت لسانها بها بعد قوله، تنفست الصعداء تحاول جاهدة ألا تُفسد تلك العُطلة المُغيرة لحالها..والظاهر أنها ستُقلب حالتها المزاجية فعليًا لكن للأسوء!_ انت قولت برضه؟! هو انت تايه؟
ابتسم بخفوت رافعًا كتفيه ببساطة:
_ مِن وجهة نظرك؟؟
تبًا له بعدد كل مرة استفز حواسها، كيف له أن يكون بمثل هذا البرود وهو يُخبرها أنهما عالقان بين الصفار وكفىٰ!
لا شيء يُحيط بهما سوىٰ صُفرة الرمال!_ أيوه يعني هنعمل إيه؟ تليفوني مش لاقط شبكة تليفونك لاقط؟
هز رأسه نافيًا -وهو لم يره حتى- بتلك البساطة الخانقة لها وبتلك البسمة التي لا تُريد رؤيتها بتاتًا هي وتلك الفجوة بخديه التي تتسع مع كل بسمة له، لتردف وهي تجلس علىٰ الدراجة الرباعية الخاصة بالرمال بإرهاقٍ بادٍ وهي تفقد ذرات الحماس التي جاءت بها:
_ هنعمل إيه؟؟
_ هنقعد شوية لحد ما يدوروا علينا، إحنا مش إبرة في كومة قش!
لتنبس ساخرة:
_ بس اتنين في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.
ابتعدت عنه مُحاولة البحث عن مخرج والطرق تتشابه حتىٰ لم يعد لألم رأسها مخرج مِنها!
وبالنهاية تجلس علىٰ مقربة مِنه - نسبيًا- وإن فشلت في إخفاء خوفها مِن الوحدة، أُنسها وطمأنينتها تكمن في "شذىٰ" لا تكاد تفارقها إلا للعمل، والآن هي تعلم قيمتها وقيمة ثرثرتها، فلتأتي تلك الثرثارة وكفىٰ.
ابتسم بخفة حينما وجدها تجلس بجانبه، ونبرة الحنق لا تزال الملجأ الأول لإخفاء خوفها:
_ هو انت مش هتقوم تدور علىٰ طريقة نرجع بيها إحنا بقالنا ساعة هنا!
هز رأسه نافيًا مُخفيًا عينيه أسفل عدسات نظارته، ومستلقيًا براحة أعلىٰ دراجته؛ يعلم طُرق إستفزازها وما أفضل مِن سلكها!
_ في شبكة لقطت في تليفونك طيب؟!
تنهد مُبديًا إزعاجه مِن حديثها، لتصمت دقائق بعدما وصلتها تنهديته، قبل أن تنبس مجددًا مثيرة حنقه ولازال رجفة تصيبها مِن "الوحدة" التي تمقتها ومفارقتها لـ "شذىٰ":
_ انت جيت هنا إزاي وإمتىٰ؟، وهم يعرفوا..."شذىٰ" و"سالم"؟ وبعدين مش المفروض يكون عندك عمليات ولا انت بقىٰ مش مِن المهتمين بالشغل أصلًا..شخص إتكالي.
أنت تقرأ
إعادة تأهيل
Historia Cortaورُغمًا عني وقعتُ بوصمة عارٍ بالنسبة للمجتمع وإطلاق الحرية بعد موت السجان بالنسبة ليّ!