الفصل الخامس "البوح"

242 34 55
                                    

اغتسلت مِن أثر الرمال، وها هي مع المقابلة الغير محبذة، سيسترسل لسانها ما تود وأده أسفل تلك الرمال، تنهدت عالمة أن لا ملجأ للهرب، ولا حاجة إليه.. فعلى كلٍ المواجهة قادمة عاجلًا أم آجلًا:

_ عايز تعرف إيه؟

لا يريد أسلوب الإستجواب ولا يحبذه معها خاصة، لكن ألا بالقليل مِن الأحقية لمعرفة ما حدث؛ بعدما تكتمت الحديث عنه لسنوات وجعل شقيقه وزوجته لا يتحدثان في هذا الموضوع حتىٰ ولو في ما بينهما..وهو؟!
هو حتى لا يعلم ما جرى، قطعت عهد مع شقيقه بألا يخبر أحد حتى هو!

_ نبدأ بحاجة سهلة؟ ليه فرحتِ لما عرفتِ إنك تخنتي؟

شردت ناظرة لبطنها قبل أن تنبس بجمعٍ بين حُرقة ولذة!

_ بحب الأكل وبحب أجرب أنواع مختلفة منه، بشوف نفسي بكسر حواجز كنت فيها واحدة واحدة، أصله مكانش بيحبني أتخن، فكان لازم أحافظ علىٰ وزني ساعتها.

ضيق ما بين حاجبيه مستغربًا لا يفقه شيء ولا يفطن ما خلفه بدقة، لتملأ صدرها بالهواء ومُطلقة لذكرياتها لجام حرية الكلام ومع كل حرفٍ تكوي حنجرتها بألمٍ لطالما كان الرفيق،
تحرق قلبها بذكرى أخذت مِن عمرها الكثير!

_ بعد ما والدي ووالدتي توفوا، عشت في البلد مع جدتي بعد وفاتهم وهناك العادات والتقاليد تختلف عن المدينة، كنت حاسة بالتيه وإنه مش مكاني، الصدمة كانت كبيرة بعد وفاة العيلة؛ ولما بدأت أتأقلم على الجو خلوني أدفن حياتي بإمضاء وبصمة صباع!
نيتهم كانت خير هم كده كده متعودين على كده، بس واحدة ١٤ سنة تفتح بيت؟
الجواز في السن ده كان شيء مفروغ منه، وكان عدم جوازي مش هيرحمني مِن نظراتهم أو لسانهم، أصل البيئة بتختلف فتهز ثقتك بنفسك
أنا كنت لسه مراهقة محتاجة اللي يسند إيدي في قراراتي، يمكن الخير اللي بجد إنهم اشترطوا عليه أكمل تعليمي، بس اللي حصلي كان فوق طاقتي، هو كان غريب مش متفهم نقطة سني، لازم أوفق بين مذاكرتي -الغير مهمة في وجهة نظره- وتنضيف..أكل..مراعاة والدته..طلباته هو، ودي كانت الأصعب هو عايزني جاهزة لِيه في كل وقت وشال عني بكل عنف ذرات طفولة كانت بتحاول تطفو رغم كل اللي شوفته، وحملت!

التفت بوجهه عند أخر كلمة وكأنها كانت القاضية، حملت!
معها طفلٍ من أخر الآن!
يخشى التكملة وإن كان ما سمعه لم يمس اللين على خافقه قط، لكنه ولكامل أسفه يريدها أن تفرغ جبعتها..تجدد روحها وإن كان المؤذي روحه وليست روحها!
استرسلت كمن يشق جراحها غاوٍ لذة تألمها، استرسلت واسترسل عنفوان الأدمعِ أن تهبط مع أحرفها.

_ حملت أكتر من مرة وسقطت في كل مرة، مجهود زائد ساعات..أو بسبب إن جسمي صغير وطاقتي مبتستحملش كل ده، ساعتها النظرات زادت وحشتها، هو يمكن نظرته متغيرتش كان بيحاول يطمني ساعات وإن كان ده بيخالف شخصيته..بس إيه المشكلة ما هم سلبوا مني شخصيتي؟!
إحساس الإجهاض صعب حتىٰ لو أنا مكنتش عايزة أخلف فعلًا في الفترة دي، في الأول والأخر روح وجزء مني بيديني أمل ويتحول لأشد أنواع الألم، هو مكانش وحش حقيقي بس أنا اللي مكنتش مهيئة للجواز لا لِيه ولا لغيره، مش قادرة أنسى نزيفي وتعبي وإرهاقي الدائم أثناء جوازنا، كنت بقعد في البيت لوحدي بنزف ومروحش المستشفى غير بعدها بفترة لما يكون هو جه، بقعد في المستشفى بالليالي، ودلوقتي راح لرب كريم بعد ما خلاني مش مهيئة للجواز ولا للحياة للمرة التانية!

إعادة تأهيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن