طوال حياتي لازمتني مشاعر الانسلاخ عن الذات بشكل متكرر ولا نهائي. لطالما شعرت بأن ذاتي تأبى الاستقرار على حال واحد. لم احبب التغيير يوما.. أنا من أعداء التغيير المفاجئ، احب أن تبقى الأشياء حولي كما عهدتها دائما، أخاف التغيير وأحقد عليه، أهاب فكرة أن أستيقظ يوما فأجد أن ما اعتدت عليه قد تغير، أن يطفئ أحدهم لمبة النور التي أنا معتادة عليها ويقوم بتشغيل لمبة أخرى، أن أجد بأن صديقي المفضل لم يعد صديقي المفضل، أن لا يكتب لي أحدهم "صباح الخير" بعد أن جعلني أعتاد عليها لمدة شهر.
أجل (هكذا كنت) قبل أن يعاندني القدر بشكل مستمر ومؤلم ويستمر في دفعي لخوض دوامات من الانسلاخ المؤلم عن كل ما اعتدت عليه وألفته روحي، وكأنما أراد القدر أن يعالج مخاوفي من خلال أن يتم صهر روحي وجسدي بنار التغيير، لأصل الى اليوم الذي أرى به الأشياء التي أقدسها تنسكب من بين يدي كحبات الرمل واحدة تلو الأخرى دون ان أحرك ساكنا.
أقف امام المراة وأتأمل وجهي بتمعن تام، شعر مبعثر متعدد الطول بحيث لا يمكنك أن تجد خصلتين به متساويتان بطولهما, به ثلاث ألوان متوزعة على عدة خصلات أيضا بحيث لا يمكنك أن تطلق على شعري اسما بلون واحد، خصلات بيضاء كثيرة بعضها شيب وبعضها الأخر شعيرات تجردت من لونها بسبب كثرة تعرض شعري لمواد الصبغ الكيماوية.
أرى أمامي شخصا لا يمكن تسميته او تحديد هويته بشكل مفصل، تتشابك أمامي على المراة ملامح كثيرة لوجهي على مدار الثلاثة وعشرون عاما من حياتي، في كل عام تختلف هيئتي عن العام الاخر، لدرجة أنك لا تستطيع اقناع شخص ما بأن مجموعة الأشخاص هؤلاء هم ذات الشخص!
هل كانت هذه عاقبة خوفي من التغيير؟ بأني انسخلت وتغيرت وتحولت مئات المرات وضعت في متاهة البحث عن الذات دون ايجاد مخرج نهائي لهذا الضياع؟ بل كل بوابة كانت مدخل لمتاهة اخرى أكبر عن سابقتها! ها أنا ذا الان في ذات المتاهة ولكن الاختلاف الوحيد الذي طرأ هو أنني لا أعرف موقعي من المتاهة ولا أريد أن أعرف، أجلس مكتوفة اليدين ولم تعد عندي رغبة في البحث عن خريطة الطريق، امزق قميصي واصنع منه عصبة لعيني، فأنا الان لا اريد أن أرى مسالك الطريق او معالم المتاهة، ولا اريد فهم قوانين اللعبة، لا اريد الاستمرار باللعب ولا اريد تسجيل خروجي منها كذلك، أنا الان في حالة ال (GAME ON HOLD) حيث تستمر اللعبة في التحرك وتغيير الاحداث وخلق واقع جديد واضافة تفاصيل جديدة وحذف تفاصيل مهمة مليئة بالذكريات القديمة، لكنني لا اشارك في اللعبة، أجلس هكذا وأتأمل السيناريو يتحرك من حولي دون رغبة مني في أضافة لمساتي الخاصة.
ما الذي يدفع المرء لأن ينسحب من احداث حياته؟ أن يتحول من شخصية رئيسية في المسرحية الى مجرد مشاهد يجلس على احدى كراسي المشاهدين ويتابع مجرى أحداث القصة تتحرك أمامه وكأنما لا شيء مما يحدث يعنيه او يخصه. ربما التعب، ربما اليأس، وربما العجز.. شعور العجز بأن تتحكم وتتصرف بينما لا شيء يسر على وتيرة مبتغاك، فتستسلم وتسلم الأمر لمن تعنيه القضية، القدر.
أنت تقرأ
عين واحدة ونصف فم
Cerita Pendekذلك الاضطراب المُنبعث من أعماق النفس, انبثقت ملامحه لتصل إلى واجِهة الجسد. عينٌ واحدة والأُخرى مُغمِضة, أذنٌ واحدة والثانية مغلَقة, نِصفُ فمٍ يتحدث والنصف الاخر صامت.. ويَّدٌ واحدة لا تُصفق. كيف سيكون الطريق في رحلة البحث عن باقي الاجزاء الميتة؟ وكي...