|٢- حديثًا عَجبا.|

54 9 24
                                    


أسفر جفناها عَن عينيها الناعستين، فاتضح لها ما حولها، تثاءبت بخمول والتعب قد تشعشع في كُل إنشٍ فيها، وكأنها خاضت حربًا طاحنة!

- في إيه؟ جسمي واجعني! همّا حقنوني بحاجة وأنا نايمة؟

سألت ذاتها وقد ساورها الشك، أخذت تتفحص جسدها باحثة عَن أثرٍ لحقنها بإبرة، ومع خلو جسدها مِن أية آثار همست:

- شربوني حاجة طب؟ هتجنن! فين نور؟

***

بالقرب مِن باب غرفتها كانت سَديم تسير حينما أوقفها صوتٌ مألوفٌ أتاها مِن ورائها، التفتت سَديم إزاء صاحب الصوت الذي ما إن رأى محياها حتى بزغت أسنانه نتيجة اتساع بسمته، وضاقت عيناه خضراوتا اللون وهو يسير حثيث الخُطى إليها، طافت عيناه حولهما قبل أن يفتح ذراعيه على وسعهما وحينئذ ضحكت سَديم وأقبلت إليه تستجيب لدعوته بعناق، مع تلاقي القلب بالقلب سكَن الاثنان واستكانا وكان كُل مِنهما سكَنًا للآخر..

- ابتعد هيا؛ فقد يمُر أحدٌ ويرانا.

قالت بصوتٍ خفيض وهي تُراقب الطريق الخالي مِن المارة.

- دعيني يا حليلتي؛ فقد عانيتُ مِن الچوى واحترق قلبي صبابةً.

عجزت عَن مواصلة الإعتراض، وكست وجنتاها حُمرة الخجل، فسألته رغبةً في تغيير مجرى الحديث:

- مَتى أتيتَ؟

- الآن، وكانت أُولى وجهاتي إليكِ.

- لقد طال غيابكَ يا صُهَيْب، وانقطعت رسائلكَ فجافاني النوم واضطرب قلبي مخافة أن يمسّكَ سوء.

اسمه صُهَيْب، وكان أصهبًا، ذو شعرٍ أحمر مُجعد وبشرة بيضاء تخالطها الحُمرة، كُل ما فيه يُبرهن على كونه صُهَيْبًا!
ابتسم رُغمًا عنه بعد سماع كلماتها التي غلفها صوتها المرتجف القلوق، واعتذر منها:

- اغفري تقصيري وإغفالي عنكِ؛ فوظيفتي كانت لبالي ووقتي شاغلة، وبالكاد كُنت أعود لفراشي لأفترشه كالقتيل!

أدمعت عيناها بتحنُّنٍ على حاله، تعرف قساوة ما يعانيه في مهنته ككبير الأطباء، خصوصًا في ظل الوباء الذي انتشر على أطراف المملكة شاسعة الإمتداد ممّا حتّم عليه البقاء بعيد منزله لمدة جاوزت الخمسة أشهر..

الأَرَاضِي المَنْسِيَّة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن