4-إجازة!

8 1 0
                                    



"أستاذ عصام المدير يسأل عنك"

فاجأه زميله البدين ثقيل الظل بعبارته تلك التى تفوح منها رائحة الشماتة، وترتسم مع السخرية على ملامح وجهه الغليظة ..إنه يوم واضح الملامح منذ الصباح.. بدأه بمشكلته مع رحاب والتى حاول ان يطلبها على التليفون أكثر من مرة بلا فائدة حتى انتابه الملل.. لماذا كل ما يتعلق بها عسير الحل ؟ كل مشكلاتهما معًا لا تمر بسلاسة .. حساسة إلى درجة تشعره بالاختناق.. ومرت عليه الدقائق التى احتشدت كل ستين منها لتكون ساعة تمسك بتلابيب ساعة تليها حتى مرت عليه أربع ساعات كاملة ارتكب فيها عشرات الأخطاء بسبب شروده المتكرر.. مرة فى مشكلته مع رحاب ثم تقتحم فيزورا لحظات تفكيره فيرى صورتها على شاشة الكمبيوتر, واسمها مخطوطًا فوق الأوراق أمامه وعلى وجوه العملاء ترتسم ملامحها الشفافة، وكلما رأى لونًا ورديًا تذكرها وهاهو المدير الآن يطلبه.. نهض متجهًا لمكتب المدير داعيًا (الفتاح العليم الرزاق الكريم ) أن يقيه شره ويكفيه أذاه .. تنحنح حتى يبتلع الصمت الذى سكن بحلقه منذ أكثر من نصف ساعة كان يعمل فيها على الكمبيوتر دون أن يتحدث مع أحد ، وطرق الباب بخفوت خجل ثم سمع الصوت الجهورى للأستاذ يوسف العسكرى مدير الفرع يدعوه للدخول .. كان كل ما فى المدير جهوريًا ضخمًا .. اسمه ( العسكرى) الموحى بالصرامة والحزم، وشعره الضارب بين البنى والأصفر وشاربه الكث وملامحه الشقراء الصلبة التى تذكرك بجنرالات الجيش الألمانى إبان حكم النازى .. رفع العملاق عينين خضراوين يلمع البرق فيهما منذرًا بصاعقة جعلت عصام يتراجع خطوة للخلف؛ فهو يعرف - عن تجربة - أن هذا الرجل حينما يغضب يتحول إلى إعصار عصى على السكون.. إلا أنه فوجئ بالمدير يقول فى هدوء أذهله:

- تفضل يا عصام.. اجلس

تحسس الكرسي بيده كأنما يتأكد أنه ليس مكهربًا وأنه لن يغلق عليه.. ليتيقن أنه حر يستطيع الهرب فى أية لحظة

لاحظ المدير توتره فرسم على شفتيه ابتسامة غطى شاربه على نصفها، وابتلعت نظرة عينيه التى ارتسم الغضب فيها نصفها الآخر ثم تنهد بعمق قبل أن يقول بصوته الزئيرى العميق كأنه أسد يتحدث:

- إنك ياعصام تعلم كم أحبك مثل أبنائي، وكم كان والدك الراحل - رحمه الله - أخًا عزيزًا وزميل عمل مشهودًا له بالكفاءة وصديق شخصى، ولقد كنت واحدًا من أعضاء اللجنة التى شكلت لقبول الموظفين الجدد وطلبت انضمامك إلينا وأصررت على ذلك ..

التصقت نظرات عصام بالسجادة خوفًا من القادم وهو يسأل نفسه:

"لماذا طلبنى المدير بهذه الصورة ليسمعنى هذا الكلام العجيب؟ هل سيفصلنى عن العمل؟"

عاد الصوت الجهورى للارتفاع مجددًا وهو يقول بلكنة غاضبة:

- ولكنك منذ فترة ليست بالبعيدة تهمل فى عملك لدرجة أننى اليوم وردتنى ثلاث شكاوى من العملاء، بخلاف خطأين أول أمس.. وهذا ما لا أطيقه أبدًا.. أبدًا ..

مملكة الأحلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن