الفصل التاسع والثلاثون "شمس الدين يتكلم"

38 4 0
                                    

39
~•~•~•~•~•~•~•~•~•~
"من سواد النفوس كره السقوط وحيدًا، لو طالت يده لأسقط البشرية معه!"
~•~•~•~•~•~•~•~•~•~

أجبر شمس الدين على الجلوس أمام مكتب شهال ثم أشار لعساكره بالمغادرة، ولصدمة شمس الدين.. أغلق شهال باب المكتب بالمفتاح!، نظر بهلع لشهال الذي بدا مجنونًا أكثر من كونه طبيعيًا.. ينظر بذلك التمتع لأربعة خواتم فضية سميكة ثم تحدث ببطء:«أنا م بحب الكلام الكتير.. فلمن الكلام يكتر أنا بلجأ للأفعال وظاهر جدًا نوع الأفعال الح أعملها!»
ربت بخشونة على كتف شمس الدين وهو يرى ذعره، جلس خلف مكتبه وقال بهدوء تام وبساطة:«وكرهي للكلام الكتير هو هو كرهي للكذب وممكن أكتر!، عارف؟.. أي معلومة تقولها ح أفتش عن حقيقتها وأصلها.. ومعلومة واحدة غلط ح أعلقك في بوابة الولاية وجربني وشوف بتكلم ساي ولا لا، وبعد التعليقة كم قضية تاني نقدمها لك عند النائب العام ويا سلام!.. القضية لمن تتسجل وتتقدم ح تكون حكومة السودان ضد طاهر شمس الدين يعني لو أهل الضحايا عفوا الحكومة م ح تعفي.. والقضايا والتهم التانية أنيل من القضية الأساسية، يعني إذا هناك ممكن تمرق أبدر حسن سير وسلوك هنا ح تمشي للإعدام وش، وأحب أوريك أنه في حالة يحكموا عليك بحكمين في قضايا مختلفة فح تلبس الحكم الأنيل!»
ابتسم بإستمتاع وهو يفتح دفترًا أمامه قائلًا:«نبدأ بتهمة شنو؟»، نفى شمس الدين برعب برأسه قائلًا:«أنت عايز شنو يا باشا؟.. أي شيء قوله وأنا أنفذ!»، أغلق شهال الدفتر وكست ملامحه الجدية ومسحة من البرود قائلًا:«أي شيء بتعرفه عن رابحة مساعدتك!»
بلع شمس الدين ريقه بخوف وهو ينتقي معلوماته بعناية قائلًا ببعض التوتر:«أنا ح أقول الورتني ليهو يا باشا م عارف كان صدق كان كذب!»، أومأ له شهال بهدوء ليبدأ في السرد:«قالت اسمها "رقية حجاب" من حتة في الغرب بقولوا ليها "أم قريقيبة"*¹... قالت مرة ود عمها أتبلت عليها وقالت شافتها في وضع..» أومأ شهال بتفهم مجددًا لا يريد تفاصيلًا عن هذا!، وواصل شمس الدين:«المهم أبوها وأعمامها حلفوا يقطعوا رأسها.. قامت اتواصلت مع بت خالتها معرسة وساكنة هنا، بت خالتها دي بعد جابتها هنا قالت م اتواصلت معاها كله كله وقالت ليها م تحاولي تصلي لي، بعدها لاقتني وبدينا شغل مع بعض.. وهي والله زولة مسكينة لكن الجوع والفقر يعملوا أكتر من كده!»
أن يذود*² دجال عن نصابة كان أمر يثير اشمئزاز شهال أكثر من تعاطفه، أخرج صورة لوجه خالٍ من الحياة.. ولولا الضرورة فما كان ليصوره.. فحرمة الميت تمنع تصويره!، لكن هناك قاتل مجنون يقتل الأشخاص في الخارج بلا هوادة ولو كانت رابحة المفتاح فهو سيستغله بالتأكيد!..
وكان هنالك خاطر يرف على شهال منذ مدة.. خاطر مخيف بقدر عدم قبوله!، خاطر يقول أي شيء يؤكد له أن من وجد جثتها في الشارع هي رابحة؟، لقد سمع شهقات المارة وأصوات الحاضرين تردد هويتها ثم رفيقات السكن اللواتي أبلغن بفقدها.. لكن شيء غير ذلك لا يؤكد هويتها، حتى رفيقات السكن لم يلقين عليها نظرة!!، رابحة اسم وهمي لا وجود له في سجلات السجل المدني الحكومي فالبحث عن بصماته كان دائرة خاوية ولا تطابق سيجري!، ما الذي يؤكد له أن من طعنت على قارعة الطريق وهوت قتيلة أمام أختيّ شذروان هي رابحة نفسها؟، ألا يمكن لنصابة كهذه أن تدبر حيلة وتزيف موتها؟.. خاصة بعد معلومة أنها كانت تتلاعب في ملامح وجهها بمساحيق التجميل لكي لا يربط الناس بينها وبين قريبتها.. إن كان ذلك صحيحًا فإنهما دون مساحيق تشبهان بعضهما تمامًا!!، مما يعني احتمالية أن يكون من يستعمل هاتف رابحة هي رابحة نفسها قائمًا، أما المرأة التي ماتت أمامهم فيمكن ببساطة تامة أن تكون قريبتها!، لكن ما من بلاغات إختفاء تطابقها في المنطقة.. مما يعني أن احتمالية تواجد رابحة التي تعيش حياة قريبتها في منزل ٱل الزبن نسبة عالية تستدعي مقابلة عديلة!...
ناول شهال صورة الضحية لشمس الدين قائلًا بهدوء:«متأكد أنك شفت رابحة بدون مكياج إذا كنت عارف اسمها الحقيقي.. دي هي؟»، تمعن شمس الدين فيها ما يقارب الخمس دقائق حتى نطق فجأة:«بتشبهها.. بتشبه رابحة شديد، لكن م هي!»، وما كان غير معقول بات حقيقة!..
«كيف م هي؟» وإن كان شهال قد خطر له الأمر لكنه بات مستحيلًا عندما سمعه!، ليقول شمس الدين بإبتسامة وهو يشعر بنشوة داخلية على انتصار تلميذته السحيق على رجال الشرطة.. وإن كان سيورطها وتدخل معه السجن فلا بأس!، لطالما كره شعور السقوط وحيدًا بينما رفاقه يتمتعون بالحرية:«عديل م هي.. دي وشها مليان شامات.. رقية وشها م فيه شامات، بتشبها في ختة الوش واللون بس!»
اتسعت عينا شهال وقال بعصبية:«ودي منو؟»، رفع شمس الدين كتفيه بعدم دراية قائلًا بصدق:«والله العظيم م عارف.. بس دي م رقية!»، زفر شهال من أضلعه قائلًا بنفاذ صبر:«أوصف لي رقية... أي علامة مميزة فيها!»، صمت شمس الدين يفكر:«رقية بتشبه المرة دي شديد وآخر مرة قالت لي أنها لمت ليها في راجل مرة وعايز تعرسه لكن هو اشترط عليها تساعده في حاجة وم ورتني الحاجة دي شنو بالضبط، بتمثل بطريقة حقيقية ولو اتزرت في التمثيل بتكذب، أنا م بعرف حاجة عن قريبتها دي لكن غالبًا ح تكون المرة الفي الصورة دي، وأيوة صاح.. رقية بتعرج على رجلها الشمال!»
وكأن دخان قاطرات الفحم الحراري خرج من أذنيّ شهال وأصدرت صافرة، بحق خالق السماء لقد قالت نهال قبل قليل أنها تعرج على قدمها اليمنى!!، أيمكن أن مرتادة مركز التجميل المجهولة لم تكن رابحة وتستخدم اسمها جزافًا!!..
وبينما بدأت رحلة شهال للعودة للمنزل كان يعلم أنه استخلص كل المعلومات التي يودها من شمس الدين الذي خاطبه بمرح في النهاية:«سلم لي عليها أول م تقبضوها!»، وكان قد ساعدهم حتى يجدوها.. لكن أين؟، امرأتان تعرجان.. واحدة باليمنى والأخرى باليسرى.. من القاتلة فيهما ومن المقتولة؟، من تذهب لأمل وتغير ملامحها ومن تساعد الدجال في عمله؟، سر تحت التراب والآخر مخفي بين البشر.. من هما؟، تمامًا كما كان يفعل هيثم وتوأمه راوي.. كانت هناك لذة واستمتاع يستطعمانه عندما لا يفرق أحد بينهما.. لذة البقاء غامضين لا أحد يعرفهما سواهما.. وريلة مؤخرًا!..
لذة يستطعمها توأم خالدة أيضًا.. رفض ارتداء نظارتها الطبية فقط لتماثل شقيقتها؟، فيما تفكر تلك الصغيرة؟، ها قد سمحت لوغد في منتصف العشرينات أن يسمح لنفسه بضرب الخيط بين معلم وتلميذته ويأتي لها بنظارتها خوفًا على عينيها!!، ما السحر الكامن في هذه الفتاة فتستقطب كل من شاخ به العمر؟.. في قرارة نفسه يعلم أنه لا عجوز ولا كهل.. وأن يس لازال في ريعان شبابه أيضًا.. والمعلم ما هو ألا شاب فتي لم يقارب الثلاثين بعد، ورغم ذلك.. كانوا ثلة من العجائز لهذه الزهرة الرائعة اليانعة!..
شيراز.. ما أحلاه من اسم!، لم لم تسمها أمها هكذا؟، صحيح.. قالت أن أبوها هو من تولى تسميتها!.. مع ذلك اسم شذروان طويل وشاق.. كيف يدللونها؟، لا يستطيع أن يتصور شخص يناديها باسم تدليل مع كل تلك الهالة السوداء التي تحيط بها!، قد ترمقه بنظرة تعجل موته!!..
وها قد انجرف مجددًا على تيار الصغيرة!!، لا.. عليه التركيز فيما اكتشفه للتو، فلتخرج شذروان من رأسه للأبد!!، وفيما هو كذلك وعاد للقيادة وشغل نفسه بتناول عشائه من جديد إذا بهاتفه يرن!.. بلع ريقه ببعض التوتر.. أن تفكر في الفتاة وتجد خالها يتصل بك ليس شعورًا مريحًا كما تعلمون!، هناك احساس خفيف من تأنيب الضمير كان يشعر به شهال لكنه رد باعتيادية عليه!، وبعد السؤال عن الحال وجد خالد يقول له:«"أسامة" أبو روان وشذروان جاي بكرة من السعودية وعامل كرامة لبته ووهو وخالدة عازمينك يوم الجمعة فطور، لازم تجي يا شهال.. أسامة عايز يقابلك شخصيًا ويشكرك على..»، قاطعه شهال فورًا:«لا لا م بقدر يا خالد اعتذر ليهو بدلي!»، كان قبل ثوانٍ يعد بألا يفكر فيها من جديد.. ماذا إذا رآها!!، ليسمع صوت خالد المصر:«لو الجمعة م نافع معاك حدد يوم تاني، أسامة مصر يشوفك.. م ينفع ترفض!، يا زول اعتبرها عزومة الغداء إياها!» قال الجملة الأخيرة بمرح.. وكان قد وعد شهال في لقائهما الأول بدعوة غداء!، تنهد شهال.. لا مفر.. لكن في نفسه يعلم أنه يود الحضور وبشدة!:«خلاص تمام يا خالد ح أجي يوم الجمعة إن شاء الله!»
وبعد أن كان تركيزه منصب على رابحة وقريبتها.. بات منصب على شذروان من جديد.. لا مناص منها.. العذاب الأبدي والفاكهة المحرمة!..
~•~•~•~•~
روح ❀Rσσh
~•~•~•~•~
كانت باري قد حزمت أمرها.. هذا الحل الوحيد لحماية ابن ابنتها!، ستتخذ كل السبل المشروعة وسواها في سبيل ذلك!، لقد أبلغت آراس وجهاد أنها ستتجه له وحيدة وألا يتدخلا إلا إذا سمحت لهما هي بذلك وأذعنا!..
ثم تحركت سيارتهم المدرعة السوداء تشق الصحراء نحو الشمال، وكان خبرهم قد أدرك أوس وصادق ومزاهر!، وما كان من مزاهر إلا أن تعلن ثورتها وإتجاهها نحو الشمال تنقذ ابن أخيها من بين براثين وأنياب أخواله!..
وبينما كان شهال يجلس مع عديلة في سيارته خفية.. فما كان يعلم بذلك المخطط الذي يحاك من ورائه، لقد علم شهال من رفقائه أن السيدة عديلة أتت سابقًا للسؤال عنه مما أثار غضب يس.. ولم يكن صعبًا عليه أن يطلب مقابلتها خلسة، ويومها كان قد وقف بسيارته المظللة قرب الأرض الزراعية النائية حتى أتته عديلة!..
كانت قد شاخت.. تلك القوة والسطوة التي تبديها قد أنهزمت، تلك المرأة الثائرة قد خبت!، لو كانت عايدة تحت يدها الآن فما كانت عديلة لتخنقها.. فالآن عقلها قد انتصر.. عايدة كاملة البراءة!، ما إن ركبت معه حتى أومأ لها شهال بتحية وتحرك بسيارته ينتظر حديثها..
لتقول بهدوء بعد بعض الصمت:«اتنين من أولادي اتقتلوا وم معروف القتلهم منو، أنا مستعدة أقدم لك أي مساعدة مهما كانت المهم توعدني القتلوا أولادي يموتوا!.. ده الجزاء الوحيد الح يرضيني!»، أجابها شهال بينما يركز في قيادته:«أوعدك أقدمه للمحكمة وأجتهد ياخد جزاءه كمان!»..
___________________________

{اتحاد عديلة وشهال؟.. ما نتيجته؟}
___________________________
*¹ننوه أن الأسماء جميعًا من وحي الخيال وأي تضارب لها مع الوافع محض صدفة (كما قال الدكتور الراحل أحمد خالد توفيق في أحد هوامش رواياته: أي تطابق مع الواقع يدل على أنني نحس ليس إلا😂).
*²مرادفة كلمة يدافع.
___________________________
*لكي لا يهجر:

بسم الله الرحمن الرحيم
"فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ (60) قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ (62) قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ (64)"
********************
•بقلم: تسنيم العوض المسلمي
*روح*..

~•~•~•~•~
روح ❀Rσσh
~•~•~•~•~
#يتبع..

القضية المبتورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن