الفصل الثامن والثلاثون "نهال تتكلم"

39 5 0
                                    

38
~•~•~•~•~•~•~•~•~•~
"ونخاف أن نفقد الصحب عند نصحِهم!"
~•~•~•~•~•~•~•~•~•~

تحمست ريلة فجأة حتى صدمت هيثم بلهفتها بطلب التفاصيل.. تمامًا كطفلة صغيرة تتابع أحداث مسلسل كرتوني للأطفال!، لكنه تحدث يشرح لها ما حدث:«ما أنه قالها عديل ولا قال ليهو اسم، بس أنا فهمته لأنه بتكلم أنه لو جابها سودانية أهل أمه م ح يوافقوا ولا جابها إيرانية مدام مزاهر م ح توافق، فبقول لي أنه أرضي جميع الأطراف مستحيل فقلت ليهو عرس البترضيك بس!»
زفرت ريلة بخيبة أمل وقد خيب هيثم جميع طموحاتها!، تناولت قليلًا قبل أن تلتفت إليه قائلة بهدوء:«حاولت أجمعه مع أحلام يوم طلب الإلتماس وأقول لك أعزمه للعشاء، لكن مشى لعمه العيان!، لازم شهال يشوف أحلام!.. م ح يلاقى واحدة مناسبة ليهو أكتر منها!»
هز هيثم رأسه بعدم اقتناع قائلًا:«سيادة الفريق صادق اتواصل معاي وقال اتنين من خيلانه جوا.. جهاد باشا وواحد تاني اسمه آراس، وصادق باشا شاكي أنهم جاين يسوقوه عشان يخطبوا ليهو واحدة إيرانية من أهلهم هناك، وحبوبته باري موافقة.. يعني غالبًا م ح يفكر كتير ويمشي كلام حبوبته ويخطب البت ديك!»، توسعت عيناها بإستنكار:«ومدام مزاهر؟»، رفع كتفيه بلا مبالاة:«رافضة طبعًا بس زي م قلت ليهو مستحيل يرضي جميع الأطراف.. البرضيه هو يعمله!»، ولم تكن تلك الإجابة لتقنع ريلة أبدًا، خاصة أن عقلها قد حاك قصة لشهال مع أحلام!..
بينما كانت نهال ترتجف في منزلها، لم تكن قد وضحت لأمها سبب تركها العمل في مركز التجميل، وكانت أمها تستنكر برودها تجاه مقتل صديقتها والفزع الذي صاحبها فيما بعد!، لم تعد تخرج من المنزل.. وكانت تراقب الشارع من فتحة صغيرة من نافذتها، كأنها كانت تخشى أن يرى من بالخارج وجهها!..
وقفت وفزعت وهي ترى رجل غريب يقترب من باب منزلها، طرق شهال الباب وانتظر ثوانٍ حتى فتحت له أمها الباب وسألت بإستغراب:«خير أنت منو يا ولدي؟»، أخرج بطاقته وقال بهدوء:«معاك العقيد شهال أوس.. عايز أقابل الآنسة نهال!»، حينها صرخت نهال من على السلم قائلة بعصبية:«أنا م عندي حاجة أقولها.. وم عارفة حاجة عن موت أمل!»..
دخل شهال وهو يتجاوز أمها المصدومة قائلًا بهدوء:«عندك فكرة عن الممكن يعمله فيك قاتل أمل لمن يعرف أنك قدمت استقالتك من الكوافير؟، ح يشك أنه أمل قالت لك سره وساعتها ممكن يحصل لك نفس مصيرها!»، تجاهل شهقة أمها الفزعة وشقيقاتها اللواتي أخرج رؤوسهن ليسمعن الحوار وتابع ملامح نهال التي بهتت من الرعب وواصل:«أنا عارف إنك قدمت استقالتك من الشغل بعد جيتي للمديرة، ولو القاتل عرف بكده م ح يخليك.. أنا دوري هنا إني أحميك، إذا اتعاونت معاي الداخلية ح تضمن سلامتك لمن نقدم القاتل للعدالة!»، وكانت تلك الكلمات مفتاح لتنهار نهال بقوة باكية!..
جلس شهال في الردهة بعد أن هدأت نهال وكانت أمها أشبه بالطير الجارح الذي يترقب فريسته تنتظر سماع قصة ابنتها، لتقول نهال بتوتر:«بجد ح تقدر تحميني؟»، أومأ بتأكيد:«أكيد!»، أخذت نهال نفسًا عميقًا وهي تحاول الهدوء:«قبل فترة اتلمت أمل على واحدة نصابة وكانت أمل بتساعدها بالمكياج وبقسموا الربح بينهم!»
ليسألها شهال بأول اسم خطر على باله:«رابحة؟!»، اتسعت عينا نهال:«بتعرفها؟»، أومأ لها لتواصل في سردها:«وكانت بتجي لأمل دائمًا في الكوافير وهي لابسة نقاب عشان م تتعرف»، فسأل شهال بإستغراب:«وهي بتعمل مكياج ليه؟، البعرفه أنا أنها كانت ملمومة ليها على دجال وعاملة فيها بته!»، لتصحح نهال:«يلا رابحة أصلًا م من هنا.. حسب الحكته لأمل أنه عملت فضيحة عند أهلها في البلد وأبوها وأعمامها حالفين يضبحوها وأتوصلت مع واحدة من بنات أهلها هنا وهي ساعدتها تصل ولقت ليها السكن، لكن بسبب المشكلة الهناك فبت أهلها حرمت عليها زول يعرف العلاقة البينهم دي عشان نسابتها لو عرفوا م بخلوها، ولأنه رابحة فيها شبه من بت أهلها ديك فكانت بتقعد لأمل عشان أمل تعمل ليها مكياج يغير من ملامحها ونسابة بت أهلها م يعرفوها!، والفهمته من أمل أنه بت اهلها من نسوان اولاد عديلة لكن م عارفة ياتها!»
سكتت قليلًا لتحلف لشهال:«والله العظيم ويشهد الله أنا حذرتها من المرة دي أكتر من مرة ووريتها أنها تبعد عنها قدر م تقدر لكن م سمعت كلامي!»، ليقول شهال بهدوء:«لكن يا آنسة رابحة.. رابحة ماتت!»، بلعت نهال ريقها بخوف وهي تهز رأسها نفيًا:«لكن بعد ماتت جات رسالة منها لأمل وتاني يوم لقيتوا أمل مقتولة في مزارع القرية تمنية!»، استمع شهال بكل حواسه واعتدل في جلسته.. هذه أهم جملة نطقت بها نهال!:«وورتك الرسالة جا فيها شنو؟»، هزت رأسها نفيًا لكنها قالت:«أمل م شكلها اتخلعت زيي لكن، شكلها اتوقعت رسالة زي دي!»، «رسالة من مرة مقتولة؟» قالها شهال بإستنكار لكنها أومأت!..
أخرج شهال صورة من جيبه وهو يسأل:«دي رابحة الكانت بتجي لأمل صحبتك؟»، لم تستلم نهال الصورة وقالت:«أنا م حصل شفتها.. كانت بترفض تقلع النقاب لي!»، أعاد الصورة لجيبه وسأل:«طيب في علامة مميزة ليها؟.. طريقة كلام.. حركة معينة.. طريقة مشي؟»، نطقت نهال بسرعة بعد تفكير:«طريقة مشي.. كانت بتعرج على واحدة من رجلينها.. اليمين تقريبًا!»
كان طريق العودة ذاخرًا بالأفكار، فبعد إماطة اللثام عن هوية المجهولة تراكمت الأسئلة.. هل يا ترى قريبة رابحة هي صباح؟، لقد صورها هيثم وهي تشترى صمت فاطمة خوفًا من أن يعلم زوجها وأهلها فيخرب بيته!، هل تشك فاطمة في صباح بعد أن علمت أنها قريبة رابحة التي قتلت؟، هل تشك أن صباح قتلت رابحة ثم أمل التي تعرف هويتها؟، إذًا ليس من المستبعد لها أن تقتل فاطمة بعد أن علمت الحقيقة.. وربما سعت خلف نهال أيضًا!!، ومن يرسل رسالة من رقم المقتولة؟.. هل يا ترى هي رابحة نفسها!!، وفي داخله كان شهال قد نوى الذهاب لعديلة وطرح بعض الأسئلة عن زوجات أبنائها، لكن قبل ذلك.. عليه التفكير في طريقة لتغفيل الداخلية والأعين التي تراقب خطواته خلسة!..
بينما كان آراس مشتعلًا في منزل والدته وهو يصرخ:"أوصل به الأمر أن يصل للخرطوم من أجل أعمامه ولا يأتي إلينا؟، أهذا جزاءنا!؟"، هدأه شقيقه الأكبر:"شهال ليس على علم بحضورنا يا آراس، وليس عليه ولا على أعمامه أن يعلموا بذلك.. حتى نرتب أمورنا وطريقة كلامنا معه لنضمن موافقته!"، لتتدخل الجدة قائلة بصرامة:"دعوا ابن شيراز لي، أنا من سأقنع شهال العزيز بذلك، ولنرى كيف ستمنعه مزاهر من الحضور معنا!"
بينما كانت مزاهر متوترة وتصرخ بعصبية:«هسي الناس في شنو وأنت في شنو يا أوس؟، ياخ تولع الداخلية ومجلس الوزراء كله.. أنا بقول لك خيلانه جاين يخطفوه وم ح تشوف ولدك تاني وأصلًا أنت منيل الدنيا معاه، جاي تتناقش مع الصادق الجلطوه أنت وولدك ويادوب طالع من المستشفى في التغيير الوزاري؟، م تخليني أداعيك وأقول لك بركة الله يشيلوك عشان تركز في حياتك بعد ده!»
نظر لها أوس ببرود.. اعتاد انفعالات أخته الهستيرية ليقول صادق بهدوء وتعب من على فراشه:«كلام مزاهر صاح يا أوس، خيلانه جايين ونيتهم م سليمة حتى داسين جيتهم.. في شيء غلط، أنا حذرتك من خطوة تنقل شهال دي وكلمتك ح تعمل مشاكل معاهم بدون سبب!»
ليدافع أوس:«أب بربي ولده.. هم مالهم؟»، ثارت مزاهر من جديد:«هم م معتبرينك أبوه يا أخوي ولا هو ذاته معتبرك ولا تكذب على روحك!، ثم أب يعاقب ولده يرسله الولايات؟، لا وموديه حتة مقطوعة حتى من دنقلا.. الحلة دي في الخريطة م في.. أول مرة أسمع بيها عند ولدك ده بس والله وهو مودع زين ولدي!»
أغمض أوس عينيه بتعب.. كلمات سامة لا تدري مزاهر قسوتها وطعناتها وكانت تهم بالمواصلة لولا إيقاف صادق لها، ليتحدث بهدوء:«ألحق صلح علاقتك مع ولدك يا أوس، والله تاني م تلم فيه، حتى لو عشان شيراز الله يرحمها.. شهال لو لحق يمرق من البلد المرة دي أنت م تحلم تشوفه تاني ولا تشوف أولاده.. ح تتنسي يا أوس ولا كأنك عرست قبل كده وعندك ولد!!»
كان الليل مظلم بالفعل عندما نزل شهال إلى المديرية، كان عليه البحث عن المزيد من الأجوبة، غيابه السابق عن مسرح الأحداث والمديرية جعلته لا يدري ما حدث لمعتقليه لكنه يدعو أن يظل النظام السوداني في إخلاله بالوقت، فإن كان حدسه صحيحًا فسجينه لم يتحول للنيابة ولا السجن بعد ويمكن أن يظفر بتحقيق معه..
لقد ماتت رابحة وباتت تحت التراب، امرأة غريبة عن البلدة لا يعرف لها أصلًا ولا أهلًا، ولا يعلمون حتى إن كان اسم رابحة هو اسمها الحقيقي!، كان على شهال أن يعرف.. أن يعلم أن رابحة ليست سوى مفتاح الحقيقة!، كمية التساؤلات التي أثارتها رابحة حولها في هذا الوقت القصير قادرة على حل اللغز كله!، ومن أكثر شخص أوفر معرفة برابحة؟، زميلات سكنها اللواتي لا يعلمن أكثر من الأغراب؟، أم أمل التي تعرف كل شيء وقتلت لذلك السبب وهي تحت التراب الآن؟، أم هذا الشخص الذي يذهب شهال للقائه!؟..
مع ذلك كان شهال متأكدًا أن قريبتها المجهولة تعلم كل شيء.. كل الحقيقة، هذه القريبة -ولربما- كانت خلف كل هذه الأحداث!، وربما تعيش الآن باعتيادية داخل منزل أسرة الزين وقد قتلت اثنين من أبنائه وامرأتين من خارجه!..
دخل شهال المديرية وأصدر أمر للعسكري بجلب طاهر شمس الدين من محبسه، وكانت الحركة قليلة في المديرية بشكل عام.. وأصحاب المناوبة نفسهم ما بين عالميّ الأحلام والواقع وإن كانوا أدنى من الأحلام قد فقدوا تركيزهم لذا لم ينتبه أحد للسجين الذي أقتيد لمكتب العقيد!..
كان شهال يتفحص مجموعة رائعة من الخواتم الفضية كان قد استعملها سابقًا في تهشيم فك صديقه العزيز هيثم، ولم يكن شهال ليتوانى في استخدامها الآن!..
ومع تأخر الوقت.. لم يبدو على شمس الدين أي مظاهر للنوم أو النعاس أو التعب.. وإن كان أقرب منهم للملل!، وعيناه تلمع بنظرة يعرفها شهال جيدًا.. نظرة ساخرة!، لابد أن الوغد كان يعلم أنه سيعود له.. سيحتاجه، لكن شهال ما كان ليدع شمس الدين ليمسك بزمام الأمور.. بل كان شهال ليضع قواعد لعبته الخاصة!..
___________________________

{لم يبقى الكثير على كشف الحقيقة..}
___________________________
*لكي لا يهجر:

"وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ  (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  (156)"
********************
•بقلم: تسنيم العوض المسلمي
*روح*..

~•~•~•~•~
روح ❀Rσσh
~•~•~•~•~
#يتبع..

القضية المبتورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن