الفصل الأول

801 32 5
                                    

الفصل الأول:

فتحت غرفتها المظلمة بإرهاق، اتجهت للفراش وألقت حقيبتها الصغيرة على الأرض .. جلست بتعب وهي تنظر حولها بأسى، هدوء قاتل يحوم في الارجاء، سبعة أشهر مروا على الفاجعة التي قلبت حياتها رأس على عقب، صدمة لم تتجاوزها بعد .. توفي والديها وأخوها الوحيد في حادث كارثي، لم يتبقى سوى زوجة أخيها وأولاده الثلاثة يمكثوا معها في نفس المنزل ولكن في الطابق الثاني، تجاهد في التأقلم على الوحدة المريرة، من الصباح الباكر تستعد لتذهب إلى عملها كممرضة في إحدى المستشفيات ولا تعود إلا في نهاية اليوم .. تتعمد أن تنشغل طيلة يومها كي لا تسمح لعقلها بالتفكير، أفاقت من شرودها على صوت رنين هاتفها، "خالد" زفرت بقلة حيلة فلابد أنه سيوبخها على عدم الرد عليه منذ الصباح، تغير كثيراً بعد عقد قرانهم منذ شهرين فقد حددوا موعد زفافهم خلال أربع أشهر لحين يتمم تجهيز شقة الزواج...
تم خطبة خالد و "وردة" من أربع سنوات، باعتبار أنه ابن خالتها وجارها لم يتشدد والد وردة في مطالبه، ووافق على طول فترة الخطبة لأنه يعتمد على نفسه في الاستقرار بعيدًا عن أسرته ...

ايوه يا خالد

جاء صوته الغاضب وهو يعنفها بحده :
لسا فاكره يا هانم تردي، مش هتبطلي الاستهتار ده

ردت عليه بملل :
هو أنت مش بتتعب من الخناق ده

تجاهلها وسألها باقتصار :
قبضتي صح ؟؟!

كانت تدرك إن اتصاله لأجل ذلك ولكنها كذبت حسها وحسنة الظن به ... صمتت لبرهة ثم تمتمت بارتباك :
آه قبضت بس مش هتاخدهم الشهر ده

: نعم ياختي ؟؟؟
قالها باستهجان مستكملاً بحنق :
والجمعية اللي عايزه تندفع دي هدفعها منين، مش أنتِ اللي صمتتي تحجزي فستان وكوافير الشهر ده هجيب منين انا بقا

زفرت بضجر وقالت بحده فقد نفذ صبرها :
ريح نفسك لأن الفلوس هديها لمرات أخويا، العيال محتاجين لبس قبل الشتا ومعاش بابا مش بيكفي

واستطردت بعدم فهم :
وبعدين فاضل شهرين على الفرح هفضل لحد أمته قاعده مستنيه علشان احجز فستاني وأنت كل يوم بتطلع ببند شكل

رد عليها بنبرة صارمة وكأنه يتحدث عن حقه المكتسب:
مرات اخوكي تتصرف ولا تنزل تفتح السوبر ماركت بتاع جوزها المقفول حبيبتي، إنما أنتِ واجب عليكي تساعديني

انكمشت قسمات وجهها وهي تهتف باستغراب:
وليه واجب عليا أساعدك ؟! مخطوبين من أربع سنين ولحد دلوقتي معرفش أنت وديت فلوسك فين مع أنك شغال في نفس المستشفى اللي انا شغاله فيها وتيجي تقولي واجب عليا!!!

استكملت بملل من نقاش لا فائدة منه :
أنا مش هرجع في كلامي مع مرات اخويا وهديها القبض الشهر ده

: ماشي يا وردة اقعدي بقا سنتين تلاته كمان لحد ما اجهز نفسي ونأجل الفرح تاني

استمعت إلى صوت إنذار إغلاق المكالمة كالمعتاد، كلما رفضت أي طلب يخصه يغلق المكالمة ولا يتحدث معها إلى أن تنفذ ما يريده... ولجت للمرحاض تأخذ حمام بادر يساعدها على الاسترخاء قليلاً، راقبت وجهها الشاحب في المرآه وكأنها وردة ذبلت من قساوة الأيام عليها، متوسطة القامة، بشرتها قمحيه، عينيها عسلية تحاوطها اهداب كثيفة وطويلة، ملامحها هادئة، جسد ممشوق مناسب مع قامتها المتوسطة ... بعد أن انتهت من التحديق في نفسها امسكت الفرشاة تمشط خصلاتها السوداء الغجرية التي تصل إلى أول أكتافها  بشرود، ثم خرجت تأخذ مبلغ نقود من حقيبتها وصعدت إلى الطابق الثاني، طرقات متتالية وفتح ابن أخوها الاكبر :
عمتو وحشتني

وردة بين أشواك الحياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن