الفصل الثالث

302 24 1
                                    

الفصل الثالث:

" تلاحقني خيباتي من جميع الجهات، وكأنها فراشات حزينة تحوم حولي لتذكرني بوجودها كلما نسيت "

أغلقت الدائرة عليها وعلى أولاد أخيها من جديد، عانت من مرض أصاب معدتها من سوء حالتها الصحية .. حاولت أن تنهي حياتها وفي أخر لحظة كان السكين على رسغها اقتحم مراد الغرفة يطلب منها شطيرة لأنه جائع، توقف الزمن من حولها لبرهة وهي تسأل نفسها ما مصيرهم بعد موتها ؟؟
من سيتكفل بهم بعدها !! تماسك زائف ترسمه أمام أقاربها كي لا تشعر بالشفقة من أحد .. كان أصعب يوم يمر عليها بعد يوم وفاة أهلها، هو اليوم الذي كان محدد لزفافها، من المفترض أن تكون عروس جميلة ترتدي فستانها الأبيض وتصبح أميرة اليوم !! هنا لم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقط، بل أتت بطوفان حطم السفينة وأصبحت ركام ...

؛*****
بعد مرور أربعين يوم لم تذهب فيهم  إلى عملها، لم تخرج من باب المنزل أبدًا، طيلة اليوم تبكي في غرفتها بصمت حتى لا يشعروا الأطفال بها، تقضي طلباتهم وتعود لظلام جدرانها من جديد تندب حظها التعيس  ... مكثت تجاهد نفسها في الاستمرار، وعمها وعمتها من حين لآخر يأتوا لزيارتها والاطمئنان عليها وعلى الأطفال ..

: ازاي تعملي كده من غير ما تعرفي حد فينا، ازاي تديله دهبك ودهب أمك، في حد عاقل يعمل كده

بهدوء ردت عليه :
اعمل ايه وهو كان بيأجل كل مره
وجهها شاحب اللون، والهالات السوداء تحاوط عينيها المتورمة دائمًا من البكاء في الخفاء، بالتعبير الدقيق أصبحت وردة ذبلت من قساوة العالم ، استكملت بنبرة هزيلة :
وانتوا مش رحمني تقطيم مكنش في أيدي غير أني اديله للدهب علشان ميأجلش تاني

بانفعال صاح محسن :
فالحه اهو هيتجوز كمان شهر بدهبك

لِما لا يرحمها أحد!! لِما لا يرأفوا بحالها!! هل تستحق كل هذا؟؟ وكأن العالم أجمع اجتمع على موتها وهي على قيد الحياة ... هدوء ما قبل العاصفة لثوان، وانفجرت تبكي بحرقة وهي تخبئ وجهها بين كفيها، صوت شهقتها جلجلة في البيت، نظروا إليها محمد ومراد بأعين لامعة وقد أوشكوا على مشاركتها، فلديهم فطرة بريئة تحركت اتجاه تلك المسكينة حتى لو أنهم لا يفهموا ما يحدث ...
نظر إليها محسن باقتضاب وهي تنهض عازمة على الذهاب إلى منزل خالتها :
كفايه فضايح الناس هتقول رايحه لما عرفت أنه هيتجوز

حركت رأسها بالنفي ومسحت وجهها بعنف، المسافة كانت قصيرة بين المنزلين .. ولأول مرة تخرج وردة عن قوقعتها :
فين ابنك يا خالتي

عقدت سماح بين حاجبيها وسألتها باهتمام:
في ايه ؟؟!

صاحت وردة بانفعال وهي تشيح بيدها :
في ابنك اللي رايح يتجوز بفلوسي

فتحت سماح عينيها على وسعهم ونقلت نظرها بارتباك حولها فقد لفت انتباه المارة صوت وردة المرتفع، على الجهة الأخرى لم تبالي وردة بأحد واستكملت بحده:
مش لما يفكر يروح يتجوز يسد الفلوس اللي عليه الأول

وردة بين أشواك الحياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن