كنت واقفاً أمام شاهد تلك المقبرة عندما مرّ ذلك الكلب من خلفي.. أجفلت وأطلقت سبّة، فليست لدي أعصاب لمثل تلك الأشياء .. نظرت حولي نظرة أخيرة لاطمئن إن أحداً لا يراني.. إنها الثانية صباحاً فمن سيأتي إلي المقابر في هذا الوقت !
عندما تأكدت أن لا أحد هنا أنزلت ما أحمله علي كتفي علي الأرض وبدأت العمل..***
-"هل أنت متأكد أنك تريد الاستمرار ؟.. هذه هي نقطة التراجع الأخيرة"..
-"لا تراجع"..
أخد الدكتور (سميح) شهيقاً وهتف:
-"حسناً، فلنبدأ"..***
بدأ كل شئ منذ شهراً، كنت أحضر أحد المؤتمرات الطبية في أحد الفنادق الشهيرة بالقاهرة حين التقيت بدكتور (سميح) .. كان أحد المحاضرين في المؤتمر وكانت المحاضرة التي ألقاها غريبة بعض الشئ.. كان يتحدث عن علاقة الروح بالجسد .. لا أذكر أني درست شيئا مثل هذا طيلة فترة دراستي بكلية الطب .. كان يقول أشياءاً علي غرار أن جسد الإنسان لا يتأثر فقط بطبيعة حياته ،عاداته، أفعاله، وبالظروف المحيطة، بل أيضاً روحه لها تأثير علي جسده .. ذكر تجارب قد أجريت في الخارج عن أن الإنسان في لحظة موته يفقد وزنا، وهذا ما قد فسره الكثيرون أن ذلك الوزن هو وزن الروح التي تغادر الجسد في لحظة الموت .. بالطبع الدكتور (سميح) كان يؤيد هذا التفسير لأنه -بطريقةً ما- يؤيد نظريته..
تحدث أيضا عن هالات "كيرليان" .. تلك الهالات التي ادعي الروسي (سيمون كيرليان) وجودها .. مفترضاً أنها موجات كهرومغناطيسية غير مرئية تحيط بجسم الإنسان ولها ألوان متعددة تختلف بإختلاف الحالة النفسية والجسدية للإنسان .. ما زاده (سميح) هنا هو أن تلك الهالة تنبعث من الروح نفسها .. ما قاله (سميح) هو أننا لا يمكننا رؤية الروح، كما لا يمكننا رؤية هالة (كيرليان)، روح المرء تتحكم في شخصيته، طباعه، رغباته، أهوائه، عاداته، وأفعاله، ومن هنا يختلف لون الهالة ودرجته.. مَن قاموا بتجربة تصوير الهالة باستخدام تقنية تصوير (كيرليان) أكدوا بعدم وجود أية هالات حول الميت، هل تري أين يذهب (سميح) هنا ؟
كانت محاضرة طويلة مليئة بكثير من الافتراضات التي يستحيل اثباتها .. لكن أكثر ما لفت نظري هو ما قاله عن أين تذهب الهالة بعد وفاة صاحبها ؟ لقد افترض أن الهالة مصدرها الروح وبزوال الروح تزول الهالة، لكن أين تذهب الهالة، أو بمعني أدق أين تذهب الروح!؟
هنا كنت قد بدأت أتحفز، أنا رجل مسلم وأؤمن أن الروح تعود إلي خالقها، هل للمدعو (سميح) رأي آخر !؟
ما قاله (سميح) كان -بالنسبة لي- مثل وضع الطعام علي كل الموائد.. لقد قال أن الروح في الأساس هي طاقة .. طاقة تحتوي علي مركبات ترددية لا نهائية تُشكل جميع تفاصيل الروح .. ومثل السائل الذي يوضع في إناء شفاف، توضع الروح في إناء وهو الجسد، يتخذ ذلك الإناء لون السائل مهما كان، وبما أن الروح عبارة عن موجات طاقة، بالتالي تردد هذه الموجات يتحكم في لونها، أي يتحكم في لون الإناء ..