01| المنتَقلُ حدِيثا

80 14 31
                                    

▪︎ اللهم إنّي أسألك عِلما نافعا، ورزقا طيّبا، وعمَلا متقَبّلا ▪︎

---

واكذِبِ النّفسَ إذَا حدّثتَها
إنّ صِدقَ النّفسِ يُزرِي بالأمَلْ

-لَبِيد

---

كانَ الشعرُ البُني المجعّد الذي تتَميّزُ به عائلة السيّد منصور ويتوارثه أفراد كل جيل منها يتقافَز بخفّة فوقَ رأسي وأنا أسيرُ ببطء أجُر قدَمَي عنوةً والضجَر يبتلِعُ قسمات وجهي.

مسحتُ أسفَل أنفي أتتبعُ بمُقلتَي الضيقَتين خطّ النمل على جانب الطريق حتى انقطع فجأة فتأففتُ كارِها عندما أدركت أنني أقف تُجَاه الثانوية المُقيتة.

"ثانوية النجاح للفتيان"

هذا ما خُطّ في اللوحة الزرقاء الكبيرة التي أخذت حيزا فوقَ البوابة العريضة فرمقتُ الحارس ذو اللحية الرمادِية القصيرة بطرف عيني أراقِبُ تعابير وجهه لوهلة.

عدّلتُ ياقة قميصي الأبيض ثمّ سِرتُ برأس مرفوع وأنفٍ علا في السماء بثقة لأبدو نسخة مصغّرة من السيد منصور، والذي يكون والدي بالمناسبة.

يدٌ ضخمة هبطت على شعري المجعّد، والذي كان أكثف من أن يُمَكّنني من الشعور بملمسها فوق رأسي فأمسكتُ شفتِي السفلية بأسناني قبل أن أشزِر صاحبها بنظرات مغتاظة وأبتعِدَ عنه أزجره بحدّة.

-أبعِد يدَك عن شعري!

وأجل، أظُن أنّ هذا الحارِس مجنون، فقد أخذ يضحك علي وعينيه الصغيرتين انكمشتا بلُطفٍ لا أفهمُ سببه، وهل تُفهَمُ تصرفات المجانين؟

-أستغفر الله..

نقرتُ بلساني وتجاوزته أفَكّر بتصرّفاته الغريبة كلّما رآني، فالرجل وكأن شمسا ساطعة تُشرِقُ من عينيه، يبتَسِمُ ويربُت على رأسي بحنيّة لم أنلها من والدِي حتى ثمّ يقهقه ضاحِكا عندما أبدي انزعاجي.

وقد كانَ الأمر ليَكُون أكثَر غرابة لو كان تصرّفه هذا معي فقط، لكِنني سبَقَ ولاحظتُ أنّه يعامِلُ شِلّة المؤدبين أولائك بطريقة مشابِهة لحسن الأمر، أو سوئه، لا أدري.

لا أنفَكّ أتذكر عندما سألته ذات مرة، وقد كنتُ منفَعِلا جدا حينها، عن سبب تصرّفاتِه، لتضرِبنِي موجة من الغرابة عندما أجاب بابتسامة لطيفة ووجهه المسِنّ تجعّد لينحِتُ زمانه عليه.

"أشعُر بالألفة كلّما رأيتكم، وأشعُر بالاطمئنان، أنّ القلوبَ اللطيفة الطيبة ما تزال موجودة، وأنّ الصلاحَ لن ينطفئ أبدا!"

تَمَلُّصْ [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن