06| فلسَفَة وعمَل

40 11 36
                                    

▪︎ اللهم إنّي أسألُك علما نافِعا، ورزقا طيّبا وعمَلا مُتقَبّلا ▪︎

---

ومَا كُلّ هاوٍ للجَميلِ بفَاعِلٍ
ولا كُلّ فعّالٍ لهُ مُتمّمِ.

-المُتنَبّي.

---

لم يكُن نعيم يملِكُ أسلوبا فلسَفِيا ولا كلمات غامضة تحتاجُ منّي تمحيصها وتدويرها في عقلِي حتى أفهمها، لكِن ما أدهشني كثيرا بشأنِه كيفَ أنّ إجاباتِه تبدو الأكثر ملاءمة مما يُمكِنُ لفيلسوفٍ أن يُثرثر عنه لساعات مُحاولا إقناعي بهِ، فحينها سألتُه:

-ما تقولُ لشخصٍ لا يفعلُ ما عليهِ أن يفعلَه؟

وجاءت إجابتُه سريعة وهو يرفع كتفِيه بلا مبالاة:

-أن يفعلَهُ فحسب..

وكدتُ أشخرُ ساخرا من بساطة قولِه لولا أنّني ومع تفكيرٍ بسيط، عدتُ أسأله:

-ماذا تقصِد؟

رماني بنظرة كأنه يحسَبُني أبلهًا لا يعرِفُ شيئا عن البدهيات، ووسع حدقتيه الواسعتين يجيبني:

-إنه... إن كانَ عليكَ حلبُ البقرَة وتلكَ مهمّتُك، ما الذي تنتظرُه لتفعلها حقا أنا لا أفهم؟ اذهَب واحلِبها فحسب! سُبحان الله!

وجرى نحوَ شاةٍ كادَت تقتحِمُ حدود حقلِ رجُل سمِعتُ أنّ يتشدّدُ في مثلِ هذه الأمور، وبحلقت طويلا بوجهه المبتسم على الدوامِ وهو يوبّخ الشاةَ كأنّها تفهمه، ومجدّدا اقتربتُ منه معلّقا على كلمته:

-الكلامُ سهل...

-وتضييعُ الوقتُ في التفكير وانتظارِ الوحي الذي سيُلهِمُك الحركة لتفعل ما يجِبُ عليكَ فعلَه أسهل.. إيه.. صدّق نفسَك يا ابنَ العمّ!

سخِر وتركني متصنّما، أكادُ لا أصدق أنّ هذا الفتى يُفحمني بهذا الشكل!

-أنتَ لا تفهم!

علّقت ساخطا، فقالَ وهو يستلقي متوسدا يديه ناظرا إلى السماء:

-أقول لكَ يا مروان، لو عشتَ حياتَك داخِل عقلِك فحسب، ستكتشفُ في وقتٍ ما أنّكَ ما عشتَ شيئا..

وتابع يرميني بنظرة جانبية:

-إنّنا جميعا راحلون؛ ولا يبقى منّا إلا أعمالُنا!

وارتجفَ قلبِي إثرَ هذا القول، واستطردَ هو:

-الأفكار والكلام والتفلسف كلّ ذلِك مهمّ ما دامَ ليسَ كُلَّ شيء، عندَما يُصبِحُ كل عالَمك متمحورا حولَ الكلمات تنهارُ. أتدرِي أنّك إذا استيقظتَ يوما ولم تفعل شيئا سوى البقاء جالسا تُفكر وتفكر وتتخيّل وتتفلسف ولا تتحرّك من فراشك خطوة، حين ينتهي اليوم ستشعُر أنّك ما فعلتَ شيئا...

تَمَلُّصْ [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن