الفصل الرابع
( نورا قاسم )بدأتُ أبحث فى جيوبي وفى حقيبتي مرة أخرى فلم أجدْ إلا الخمسة جنيهات ، كادتْ دموعي أن تسقط ، ثم رأيتُ مَنْ تنظر نحوى وتقول :
ـ خلاص دفعتلك .
حينما دققتُ النظر وجدتها الفتاة التي أوصلتني إلى الجامعة أول مرة ، انتظمتْ دقات قلبي وبدأتْ رعشتي تتلاشى ، وتعجبتُ حينما رأيتها تنزل في نفس المكان الذي أسكن فيه ، شكرتها ثم قلتُ لها بينما نحن نسير :
ـ ايه ده ... انتى ساكنة هنا ؟!
عرفت أنها تسكن أول حارتي في نفس بيت الميكانيكي بالطابق الثالث ، كما عرفتُ أن اسمها ( مكة ) .
أصرّتْ مكة أن أصعد معها إلى شقتها ، ترددتُ في بداية الأمر ثم قبلتُ حينما علمتُ أنها تعيش مع والدتها فقط ، حينما دخلتُ رأيتُ أمها تقرأ القرآن على سجادة صلاة ، ولا أستطيع أن أصف مقدار ما شعرتُ به من راحة نفسية وطمأنينة في هذا البيت ، ولا أعرف هل لأنني يتيمة فاقدة لجو الترابط الأسرى أم لما وجدته في أمها من حب وعطف ووجه مضيء ؟ رحبتْ بنا أمها وحينما أخبرتها مكة أنني زميلة دعتْ لنا بالنجاح والتوفيق ، وفى حجرة مكة جلسنا ، قالتْ بعد أن قدمتْ لي عصيرا :
ـ عملتى إيه فى البحث ؟
قلتُ :
ـ ولا حاجة ... أنا عمرى ما عملت بحث أصلاً ومش عارفه ابدأ إزاي
قالتْ :
ـ هو البحث عن إيه فكرينى .
قلتُ :
ـ عن مسرحية الضفادع دراسة نقدية .
قالتْ وهى مبتسمة :
ـ يعنى يخلص فى قعدتين .
قلتُ في جهل :
ـ إزاي بقا ؟... دا أنا أصلاً مش فاهمة كلمة دراسة نقدية يعنى إيه .
قالتْ :
ـ بصى يا نورا ... دراسة نقدية يعنى تنقدي المسرحية الشعرية ... تقرأيها وتطلعى منها الجماليات ، الخيال زى التشبيهات وتطلعى المحسنات البديعية وتتكملى عن الشاعر وجو النص ومناسبة المسرحية .
قلتُ مازحة :
ـ يعنى أروح للشاعر وأقوله أنتَ قولت المسرحية بمناسبة إيه .
قالتْ ضاحكة :
ـ الشاعر مش هيرد عليكى .. ربنا يبشبش الطوبة اللى تحت راسه ... انتى تروحى للمراجع والمصادر هي اللي هترد عليكى .
قلتُ في انبهار :
ـ وانتى عرفتى كل ده إزاي ؟
قالتْ :
ـ ندوات ...كتب ... مواقع انترنت .
قالتْها وهى تشير إلى جهاز الكمبيوتر القريب من سريرها .
قلتُ :
ـ بس أنا معنديش كمبيوتر .
قالتْ :
ـ مش مهم ... ما انتى أكيد عندك نت على تليفونك .
قلتُ في حرج وأنا اخرج هاتفي :
ـ لا تليفونى آخره يقول الوو .نهضتْ مكة وقامتْ بتشغيل الكمبيوتر ، علمتّني الولوج إلى مواقع ومنتديات ، وكيفَية البحث عن المعلومات ، ثم أجلستني مكانها وطلبتْ منّى أن أتصفح وأتعلم ، بينما غابتْ هي قليلا خارج الغرفة ، ثم عادتْ وقالتْ وهى تمسك بهاتفها :
ـ تعالى أعلمك بقا إزاي تفتحي نت على التليفون علشان لمّا تشترى تليفون حديث تعرفى تبحثى عن اللى عيزاه .
ـ اشترى تليفون إيه يا حسرة ... ما انتى متعرفيش حاجة .
قلتُ ذلك لنفسي ، واستأذنتُ منها وانصرفت .
في الحقيقة قضيتُ معها ساعة لا تُنسى ، وقررتُ بيني وبين نفسي أن أكرر زيارتي لها .