الفصل السادس عشر
( نورا قاسم )عاد معتز من الخارج ، فأسرعتُ نحوه بالورقة المرسومة ، فتلألأ وجهه كأنه عثر على كنز ، وسألني في لهفة إذا ما كنتُ متأكدة من أن الذي رسمته هو نفس الرجل الذي رأيته يقتل والده ، فأجبته موافقة ، ومن فوره دون أن يبدّل ملابسه أو يستريح غادر الشقة ، ففهمتُ أنه ذاهب إلى صديقه عادل ، وبعد مغادرته بقليل حضرتْ مكة لتطمأن على حالتي ، فاستأذنتُ من والدة معتز ودلفنا إلى غرفتي وقالتْ مكة :
ـ ها ... عامله إيه دلوقتي ؟
أجبتُ :
ـ الحمد لله كويسة .
قالتْ هى تغمز بإحدى عينيها :
ـ يعني أقول مبروك ؟
كنتُ غير متوقعة أن تسألني هذا السؤال لكنني أجبت مسرعة :
ـ لا طبعا .
قالتْ في تنهيده :
ـ ليه تاني ؟... الراجل قايد ليكى صوابعه شمع ... أنا ملاحظه كده.
قلتُ في شرود وأسي :
ـ عارفه يا مكة ... معتز واحد محترم أوى وأخلاقه عاليه أوى... ومنكرش إن اللى هتتجوزه هتبقي محظوظة بالحب والعطف... بس المشكلة إني بحس مع حسام إحساس تاني خالص .
قالتْ في غيظ وضجر :
ـ هو انتى لازم تخسرى كل حاجة علشان تتعلمي الدرس ... لازم تحطى ايدك في النار علشان تتعلمي ان النار بتلسع ... تملي قلبك بالأوهام والحرام وعاوزه الحلال يدخل إزاي ... فرّغي قلبك من الحرام علشان الحلال يدخل ... استحالة يجتمعوا مع بعض .
ثم صمتتْ حينما رأتْ بوادر دموع في عينيّ
فقالتْ في لهجة رقيقة واعتذار :
ـ أنا اسفة يا نورا ... يظهر إني تعصبت شوية ... بس يا ولية افهمي ... أنا مش ضد مشاعرك وأحاسيسك الجميلة دى بالعكس ... دى حاجة كويسة انك تحبي وتطلعي المشاعر دى كلها ... بس طلعيها فى الطريق الصح ... عارفه لو حسام جه وطلب ايدك ... كنت أول واحدة هفرحلك وهشجعك ... بس حسام ده واحد مدلل يحب يشترى كل حاجة بفلوسه ... يحب يمتلك كل حاجة ومش مهم بقا في الحلال ولا الحرام ... وكان مفكر انه ممكن يتشريكي بالهدايا والفلوس ... ولولا ربنا نجاكي كان زمانك بتبوسى رجله دلوقتي علشان يجوزك زى ما ......ثم صمتتْ ولم تُكمل كأنها استدركتْ شيئا أو كأنها تريد أن تخفي عنّي أمرا ، فقلتُ في شرود :
ـ بس حاسه انه بيحبني .
قالتْ وهي تتميز غيظا :
ـ لا يا ختي مش بيحبك ...والنوع ده مش بتاع حب ولا جواز ... وبصي من الاخر كده علشان انتي من النوع اللى لازم يتصدم علشان يفوق ... اللى حسام كان عايز يعمله معاكي عمله مع شيرين .انتفضتُ في ذعر وأنا غير مستوعبة ما تقول ، وقلتُ في توتر :
ـ إزاي يعني ؟
أجابتْ في نفاذ صبر :
ـ شيرين حامل يا هانم ... ها ... حلوة اللسعة دى ولا لسه مش ناوية تفوقي .
قلتُ في ذهول وعدم استيعاب :
ـ حامل ؟!... إزاي......عرفتي إزاي ؟
أجابت :
ـ أنا مشتركة فى معسكر الكلية الصيفي ... وكل البنات بيتكلموا عن الموضوع ده ... وشفت شيرين مرة واحدة بس فى المعسكر ... بقيت واحدة تانية ... غير شيرين اللى تعرفيها ... العيون الخضرا بقيت دبلانة والوش الأشقر اللى كان مليان حيوية بقي حزين وتايه ... نفسيتها اللى كانتْ شامخة ومتكبرة بقيت ضايعة منكسرة ... شفتي بقا البنت لما تخسر الحاجة دى بتبقى ايه ... بتخسر نفسها ... حتى لو كانتْ شيرين بنت الذوات .... يعني فلوسها وبرستيجها وفلوس أبوها مش هيعوضوها عن الحاجة دى ... لان فيه حاجات أغلى بكتير من الفلوس .
قلتُ في غباء وجهل وعبط :
ـ وهو كده مش هيجوزها بعد اللى عمله ؟
قالتْ وهي تتحس كتفها الأيمن :
ـ متعرفيش علامة الشلل الرباعى بتبدأ من هنا ولا من الكتف الشمال .
ابتسمتُ ابتسامة شاحبة وسمعتها تُكمل :
ـ ياستى هنعتبر انه هيجوزها ... هتفضل طول عمرها في نظرة واحدة رخيصة فرّطت فى نفسها ... حياتهم هتكون كلها شك ونكد ومشاكل ... ومش هي دى الطريقة اللى نبني بيها بيوتنا .