الصلاة على نبي الرحمة♡
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لربما لم تكن البداية جيدة كما أُريد..
ولربما لم يحن موعد البداية بعد..
بل لربما لن يكون هناك بداية وما نعيشه هو استكمالاً لبداية هجرها الواقع منذُ زمانٍ مضى.."....
"لماذا لا توافق على ذهابي إلى العم" مارك" وصديقي "بيراك" أبي؟؟!"
أطرقت بها تلك الصهباء في غضبٍ مشتعل ولِمَ لا وقد أفسد والدها للتو مخططها في الذهاب إلى رحلة تتجهز إليها منذُ أكثرَ من شهرين..!
وفي المقابل رفع والدها زمردتيه إليها بهدوءٍ شديد بعدما كان يتصفح هاتفه باهتمام مرددًا بنبرة ثابته:
"أعتقد أننا تحدثنا كثيرًا بخصوص هذا الموضوع من قبل وتوصلنا بالفعل إلى حلٍ يَرضي جميع الأطراف، أليس كذلك؟!"
انزوى فمها في ابتسامة جانية ساخرة؛ متى أتفق كلاهما على شيء من قبل؟
"أنتَ هتهزر يا أهير ده احنا عمرنا ما اتفقنا على حاجة في حياتنا غير حُب الست المحترمة "هيلا" وبعدين رضيت نفسك بس وقولت مفيش سفر غير بعد ما تكملي العشرين سنة وكلها اسبوع وأتم العشرين يعني مفرقتش كتير، ليه التعنت بقى ليه؟ ده انا حتى بنتك يا راجل."
على الجانب الأخر كان "أهير" هادئ كثيرًا ينتظر أن تنتهي من وصلة حديثها العشوائي؛ ليجيبها بابتسامة هادئة بعدما أنتصب واقفًا:
"جيد أنكِ ذكرتي عزيزتي هيلا فقد أشتقتُ إليها كثيرًا اليوم، وأتمنى ألا تُثرثري بتلك اللهجة كثيرًا."
رحل بكل هدوء تاركًا خلفه "رانسي" على وشك الموت من القهر؛ فقد تجاهل حديثها ولم يتذكر اشتياقه لوالدتها سوى الأن فقط؟!
ولكن لِمَ التعجب رانسي فهذا أهير العاشق الولهان لِـ هيلا بالأخير، وعن اي لهجة يتحدث؟ أليست تلك اللغة الرسمية في البلاد؟؟ يبدوا أن أهير تناسى كونه يعيش في بلد عربي وخاصة دولة مصر ذات اللهجة المميزة عن غيرها من دول العرب، وليس في رحلته الاستكشافية لدول اوروبا كما بالماضي..
*****
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله"
ختم صلاته للتو بالتسليم من ثم رفع كفيه يناجي الله عز وجل في دعائه، وقد كان هذا الجزء المفضل من يومه عندما يختلي مع الله عز وجل في صلاته ويتضرع إليه بدعائه، يثق ثقة عمياء في قدرة الله عز وجل على تبديد جميع أحزانه بالدعاء واللجوء إليه، والنصيب الأكبر من دعائه لوالديه الأحباء من جاهدا لإنتاج تلك النسخة المسالمة، المُحبة لله عز وجل والخير منه، ودائمًا ما يسعى إلى الأفضل من أجل أن يفتخرا به، يعلم أنهما يراه حتى وإن كانا في عالم الحق عند الله عز وجل..
أختتم دعائه متوجهًا إلى فراشه ليحظى ببعض الراحة قبل ذهابه إلى الجامعة، وما كاد يتمدد على الفراش حتى أستمع إلى طرقات منزله المتناغمة بلحن يستنزف كامل ذرات هدوئه خاصةً وإن كان الخامسة فجرًا.
أنتفض من محله غاضبًا متوجهًا في طريقه إلى تلقين الفاعل درسًا جديدًا عن الأخلاق وما أن فتح باب المنزل شعر بجسده يترنح من شدة الدفعة يتابع ببلاهة ولوج ثلاثتهم بملابسهم البيتية إلى الغرفة المجاورة لغرفته براحة كمن يملكون المنزل وليس بعض الزوار غير المرحب بهم بالمرة، ولكن ماذا عساه أن يفعل؟؟
اغلق المنزل ذاهبًا خلفهم؛ ليرى أي كارثة ألقت بهم لمنزله الأن، مرددًا بضيق؛ علهم يستشعرون خطئهم ولو قليلاً:
"ياترى أيه سبب الزيارة اللي مش سعيدة خالص دي؟"
وعلى العكس لم يهتم أحدهم بحديثه، بل تسألت ذات البشرة البرونزية والعيون الزرقاء الزجاجية ببلاهة:
"عندك فطار ايه النهاردة بقى يا سولي علشان مأكلتش من إمبارح."
"وانا كمان والله اتخانقت مع أهير وعملت نفسي زعلانة على العشا وهو ما صدق هو والست هيلا يقضوا عشا رومانسي من غيري، أحيانًا بشك انه ابويا."
انبست بها رانسي بأسى على حالها مع والدها تحت صدمة "سليم" الذي لا يستوعب بعد ما يحدث معه وما دخله بكل ذلك؟
لتأتي الاجابة على لسان ثالثهم موضحًا إليه الأمر بنبرة عادية كمن يقرأ نشرة الأخبار:
"رانسي اتخانقت مع أُنكل أهير بسبب الرحلة وسابت البيت، وأيلا اتخانقت مع عمتها برضوا علشان شالت فارما وانا معنديش مشكلة بس قولت مينفعش تتجمعوا من غيري، ودلوقت عايزين نفطر وننام."
"وانا مالي بكل ده، انا واحد جاي من الشغل من ساعة وعندي اخر امتحان مهم في مسيرتي التعليمية وعايز انام ساعتين قبله"
صاح بهم في جنون بعدما فقد السيطرة على أعصابه، بالله ما دخله هو بكل ذلك هل هو والدهم؟ يكفيه ما يُعانيه مع المرضى بالمساء والجامعة في الصباح ليأتيه ثلاثي المجانين هذا أيضًا..
"على فكرة كان ممكن تقول إنك متضايق من وجودنا واحنا كُنا مشينا على طول مش محتاج تزعق يعني."
"عندك حق يا باران، قولت ليكم من الأول سليم معتش بيهتم بينا وهيزعل مننا، يلا بينا."
عقب حديثها استعد ثلاثتهم للرحيل بملامح حزينة، خائبة الأمل، وإن ظنوا أنه تأثر فهم على حق وقد نجحت خطتهم بعدما لام نفسه على معاملته الجافة معهم وهم من يعتبرونه والدهم الروحي بالفعل، هاتفًا بأسف:
"لا اقعدوا رايحين فين، بعتذر على معاملتي بس أنا مضغوط شوية الفترة دي، هروح اجهزلكم الفطار."
انهى حديثه ذاهبًا من أمامهم سريعًا ندمًا على إحزانهم رغم علمه التام بكونهم يدعون الحُزن وحتى إن قام بطردهم لن يذهبوا..
وعلى الجانب الأخر ابتسم ثلاثتهم بانتصار على نجاح الخطة وحنان صديقهم غير المحدود، دائمًا ما كان سليم ملجأ ثلاثتهم الأمن منذ اليوم الأول لتعرفهم عليه، يراهم ابنائه، يفرح لسعادتهم ويحزن لأحزانهم، من يتجرأ ويقترب من أحدهم لا يجد أمامه سوى سليم، للحق هم محظوظون برفقته.
على الجانب الأخر بدأ سليم في اعداد الطعام إليهم وعلى محياه ابتسامة هادئة، يعلم تمام العلم أنهم لن يذهبوا حتى وإن تركهم هو وذهب للنوم وما فعلوه ماهو سوى مسرحية هزلية من ابداعهم، ولكنه يفعل ما يفعل حُبًا لهم، دئمًا ما يحاول جاهدًا قدر الامكان اسعادهم وتعويضهم عن ما سبق من الحياة، خاصةً "أيلا" تلك الطفلة الشقية التي لم تجرب معنى شعور العائلة يومًا، أيلا وجدت أمام باب أحد الملاجئ وهي رضيعة لم يتعدى عمرها شهرين وحيدة، دون شيء سوى قطعة قماش مطرزة بالذهب تحيط جسدها الصغير معلق حول عنقها سلسال به ورقة منقوش عليها باللغة اللاتينية
«أهتموا بصغيرتي أيلا رجاءً حتى تنضج وتصبح فتاة يافعة بعمر العشرين حينها قدموا إليها الشال والقلادة»
وهذا سبب تعجب الجميع حتى الأن إن كانت من عائلة غنية لِمَ تركتها هكذا بالطريق وحيدة دون أنيس؟!.
آيلا الصغيرة قد نضجت الآن وما هي سوى ثلاثين يومًا وتصبح بعمر الواحد وعشرين وقد قدمت إليها بالفعل العمة "ميرا" الشال والقلادة التي لم تخلعها من عنقها منذُ ذكرى يوم مولدها الماضية..
*****
"تفرق ايه لما تسافري دلوقت من بعد أسبوعين يا راني مش فاهم؟!"
"خطوبة بيراك بعد بكرة وأنت عارف إن ملهوش حد غيري أنا ومارك يا سليم، عايزة أكون في ضهره في يوم مهم زي ده وأعرف البت "كيرا" إن الواد وراه رجالة، حاكم بنات الهند دول صعبين."
ضحك سليم والشباب عليها بدون فائدة من مقتها لحبيبة صديقها الهندية بدون سبب كما يرون، على عكسها هي التي لم تجد بها سببًا لتحبها سوى حُب بيراك إليها، دائمًا ما كانت تكره الشعب الهندي دون سبب ولكن ما أن ذهبت إلى رحلة للهند برفقة والديها تغيرت نظرتها عنهم تمامًا وأحبتهم، ولكن قد انقلب كل شيء مجددًا ما أن أتى بيراك مخبرًا إياها بحبه الشديد لفتاة هندية مُقيمة في اليابان اسمها كيرا، من حينها وقد تجدد كرهها للهند من جديد، لا تعلم هل بسبب تفضيل بيراك أخرى عليها ستأخذ مكانتها لديه؟ أم لأن كيرا بالفعل ليست جيدة؟
بعدما هدأ سليم من ضحكاته لاحظ تقليب رانسي في طبقها بشرود، يعلم جيدًا فيما تُفكر ولا يلومها؛ بالأخير رانسي لم تحظى بصداقات في حياتها سوى بيراك، دائمًا ما كان والديها كثيري التنقل بين دول العالم، تقريبًا يقضين بكل دولة عام أو أثنين بالكثير لا يخلون بالطبع من بعض الزيارات السياحية لدول أخرى ما بين شهر أو اثنين، لديهم شغف غير طبيعي بزيارة دول العالم أجمع، يتذكر من قبل قد أخبرته رانسي أنها التقطت أول أنفاسها بالحياة على أرض فنلندا أحد دول امريكا الشمالية، وعيد مولدها الأول كان في البرازيل أحد دول امريكا الجنوبية، ومن بعدها كانت تحتفل كل عام بعيد مولدها في أحد الدول المختلفة، وبعيد مولدها الثالث تعرفت على بيراك في اندونيسيا؛ لقد كان يسكن في نفس حيها ومن حينها بدأت صداقتهم ولم ينفصلا لمدة عامين؛ حتى بعدما يذهب والديها لرحلة لمكانٍ أخر كانت تظل هي مع والديه، حتى انتقلت برفقة عائلتها لتركيا ومن حينها قد وعدها والدها بزيارته لمدة شهر من كل عام، وهكذا عاشت رانسي حياتها في التنقل ما بين الدول والتعرف على حضارات ولغات مختلفة، وقد كان تعليمها الثابت في دولة فرنسا ولكن عن بعد؛ لا تذهب سوى بالامتحانات فقط، وقد انتقلت إلى مصر منذُ ثلاث أعوام وتعرفت عليه هو ورفاقه وأصبحت صديقتهم الرابعة لينغلق مربع الصداقة عليهم، كُلٍ منهم مختلف عن الأخر في صفاته وطريقة حياته وعلى الأغلب كان هذا سبب صداقتهم الرئيسي، يقطنون في نفس الحي وقد كان هذا سبب الصداقة البدائي.
انتهت جلستهم بطردهم من قِبل سليم بعدما حان موعد امتحانه دون نوم بسبب مشاكلهم التي لا تنتهي تحت تذمرهم ونعته متجبر القلب الظالم وقد وافقهم الرأي عندما هتف قائلاً أثناء غلقه باب المنزل في وجههم:
"آه معاكم حق أنا ظالم ومعنديش قلب وطاغية وكل حاجة علشان كده اقطعوا علاقتكم بيا و والله ما هزعل ولا ههتم بل بالله هدبح بقرة وافرقها لله من الفرحة."
أنهى حديثه مغلقًا الباب في وجههم بقوة..
على الجانب الأخر وقف ثلاثتهم أمام المنزل ببلاهة؛ لتردد أيلا بعدم فهم:
"هو طردنا تقريبًا وقال مش هيهتم لو خصمناه ولا أنا بتخيل علشان تقلت في الأكل؟!"
"لا صح هو قال كده."
"وقال كمان أنه هيدبح بقرة ويفرقها تعبيرًا عن الفرحة يعني."
صمتت ايلا قليلاً عقب انتهاء حديثهم ومن ثم تعلقت بذراع الاثنان مرددة بلامبالاة:
"على اساس انها أول مرة يعني، يلا نروح ننام ونبقى نرجعله بليل نتعشى."
وافقوها الرأي ذاهبين في طريقهم إلى منازلهم دون اهتمام بما حدث منذُ قليل؛ فهذا بالأخير ليس بالجديد بل يحدث يوميًا..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلربما القادم أفضل.. ♡
أنت تقرأ
لورانسي «البقاء للحكماء»
Acak"إن ظننت أن القوة قوة الجسد فقط؛ عذرًا صديقي فَـ أنت أحمق؛ القوة تكمن في العقل ولا شيء سوى العقل".. «لورانسي» تختلف كليًا عن باقي أعمالي، فقد وضعت بها لمسة أخرى من عالم اللامستحيل والأحلام، عالم لاتوجد به قواعد أو أحكام، عالم قائم فقط على كل ماهو خ...