الصلاة على نبي الرحمة♡
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"إن لم نكن في الأماكن التي نُحبها..
فنحن لاجئون أينما كُنَّا.."....
في منتصف النهار دلفت إلى المنزل بملامح واجمة وحزينة؛ تتقن دورها جيدًا في اظهار حزنها أمام الجالسين أمام التلفاز، والذين ما أن رأوها بهذه الهيئة حزنوا كثيرًا وقد رمق الأب الأم بنظرة لوم على ما فعلته، وقد هتف مناديًا على الأخرى بحنان:
"أميرتي الحلوة نورت البيت أخيرًا، تعالي هنا عايزك يا قمرة."
تعشق هذا الرجل للحق، على الأغلب لو كان والدها الحقيقي لما كان أحبها ودللها مثله على الأغلب؛ ابتسمت إليه بخفوت من ثم اقتربت تعانقه بشدة كما هي عادتها كلما رأته، وفي المقابل ضمها إليه بحنانٍ مربتًا على خصلاتها الشقراء قائلاً:
"ينفع كده يا يولا أرجع من السفر ألاقيكِ برا البيت من الفجر من غير متستنيني زي كل مرة ولا تشوفي جايبلك ايه معايا؟!"
"مش كده يا بابا بس كنت زعلانة شوية واصلاً كنت مع رانسي وسليم وباران هنا مش في مكان بعيد."
اسرعت تُبرر إليه موقفها رغم اعترافها بخطئها؛ ما كان يجب عليها ترك المنزل وهي تعلم بعودته في اي وقت، ولكنها حزينة من والدتها التي صاحت بها ما أن علمت بظهور نتيجتها للمرحلة الجامعية الثالثة والتي رسبت بها في مادة "الفارما" ماذا تفعل هي لقد اخبرتهم من قبل أن تلك المادة لا تعلم بها شيء ولن تذهب إلى امتحانها ولكنها اخبرتها لا يهم إن رسبت بها ولكن يجب أن تذهب إلى الامتحان فقط، أمخطئة هي الآن كذلك؟!
انتبهت إلى حديث والدها الذي ردد بنفس نبرته الحانية:
"عارف ياروحي كل ده بس ولو يعني ميرا زعلتك يا ست شوية تسيبيها تعيط وتمشي ده اللي اتفقنا عليه يعني؟ أنتِ عارفة إن ميرا بتتأثر بسرعة وحياتها كلها عياط، ده أنا بوصيكِ أنتِ عليها يا يولا مش العكس يبقى نستحملها بقى."
ردد أخر جملة بهمس قرب اذنها لم يصل إلى ميرا التي تركتهم ونهضت بالفعل، حزينة لما حدث بينها هي وابنتها.
"بس برضوا يا عزيز متعرفش ميرا زعقت معايا جامد ازاي وأنتوا عارفين من الأول إني هشيل فارما، ياعم قولتلك طريق الطب ده مش طريقي مالها التجارة كان زماني قاعدة اتخانق مع الأرقام وشايلة مادة برضوا وحياتنا عنب."
ضحك عزيز ملئ فاهه من تلك المشاغبة، لتشاركه الضحك هي الأخرى بقلة حيلة من نفسها الكارهة للتعليم، وعندما يخبرها أحد بالبقاء في المنزل تبدأ بوصلة الدفاع عن حقوق المرآة والمساواة والكثير من الاشياء المنافية لما تفعله.
بعدما فرغ عزيز من ضحكاته أردف بنبرة جادة لم تخلى من حنانه كذلك:
"نتكلم جد شوية يا أيلا، ميرا غلطت لما زعقت معاكِ جامد وبطريقة مش صح لكن معاها كامل الحق تزعل، وأنتِ غلطتِ لما سبتي البيت وطلعتِ في وقت زي ده حتى لو مع الشباب هنا مينفعش، ومنكش ينفع تشيلي فارما برضوا ده هيأثر على تقيمك قدام، أنتِ اللي مقضياها لعب من أول السنة بطريقة مستغربها الأول كنتِ شاطرة وتقيمك كان عالي ورتبتي على الدفعة أول سنتين، حصل ايه وصلك للحالة دي السنادي يا يولا؟"
"مش عارفة يا عزيز بجد أنا مكنتش كده بس... مش عارفة."
رددت حديثها بتأثر شديد وحزن على ما وصل إليه حالها منذُ أن تمت العشرين وارتدت القلادة التي لا تريد أن تخلعها مرةً أخر؛ قد تبدلت أولوياتها وأصبحت تفضل تجربة أشياء مختلفة وشغفها لممارسة الانشطة الرياضية وخاصةً القتالية شديد، وقد حققت تقدم سريع في عام واحد، أصبحت سريعة لا تنام سوى لساعتين او ثلاث فقط من اليوم ورغم ذلك نشيطة أكثر من الماضي، ترى أشياء غريبة بأحلامها لا تتذكرها سوى ليلاً، لا تعلم ماذا يحدث معها ولا تستطيع مشاركة سرها مع أحد.
شعر عزيز بالحزن من أجلها ولا يعلم ماذا يحدث معها، تلك الجميلة التي عوضته فقدان الأطفال وعززت غريزة الأبوة لديه من جديد بعدما فقد صغيرته "هَنا" في حادث سيارة عندما كانت تبلغ عامين فقط والجنين الذي كان في رحم ميرا حينها والتي تدهورت حالتها كثيرًا يومها وخسرت رحمها كذلك، يومٌ سيء خسروا به الكثير وبعد عامين من رفضه الزواج بأخرى قررا تبني طفلاً صغيرًا يملئ عليهم حياتهم الكئيبة ويغيرها وقد كانت "أيلا" تلك الصغيرة التي ما أن وقعت عيناه عليها؛ بُهر بجمالها وسُحر من رقتها، بخصلاتها السوداء المنفردة حول وجهها بتموج وبشرتها البرونزية اللطيفة مع عيناها الزرقاء الزجاجية كانت جميلة كثيرًا، أحبها كثيرًا كما فعلت ميرا وأحضراها للمنزل بعمر الخمس أعوام ومن حينها وهي ابنتهم وهم كذلك عائلتها..
"بصي يا ستي عندي ليكِ مفاجأة حلوة هتخلي شغفك للدراسة يزيد وتبقي أشطر دكتورة."
"ايه يا عزيز يا سُكر أنت قول."
ابتسم عزيز على حماسها مرددًا:
"قررنا أنا وميرا نخليكِ تسافري مع رانسي اليابان وكمان باران هيروح معاكم."
قفزت من محلها متعلقةً بعقنه في سعادة كبيرة، لا تصدق أخيرًا قد وافق على سفرها إلى اليابان، لقد ذهبت معه لأماكن كثيرة كونه يعمل كابتن طيران ولكن لم يسبق لها أن ذهبت إلى اليابان من قبل، ماهي سوى لحظات ويتحقق حلمها في زيارة دولتها المفضلة ولكن بقى العم أهير عقبتهم الآن.
خفت حماسها وعادت من جديد محلها مرددة بحزن:
"بس عمو أهير مش موافق إن رانسي تروح دلوقت بيقول لما بيراك يرجع إندونيسيا تبقى تروح."
"وهي رانسي بتغلب يعني دي عيلة مجنونة كلها ومتقلقش اكدتلي إن الرحلة بعد بكرة بليل قومي يا بنتي جهزي شنطتك وافرحي، بس الاول صالحي مامتك علشان زعلانة اوي."
ضمته من جديد بسعادة هاتفةً:
"حبيب عيوني أنتَ يا عزيز والله، يا بختها ميرا بيك."
من بعدها ذهبت إلى والدتها لمصالحتها هي الأخرى وبداخلها سعادة غير طبيعية بالرحلة، وشعور مجهول لا تعلم هويته بعد..
*****
تتحرك في غرفتها بحماسٍ شديد تجهز حقيبة سفرها تحت تمايلها بين الحين والأخر على انغام الموسيقى الفرنسية المنتشرة بأرجاء الغرفة، وإن كان أهير غير موافق ما به الأمر!! ستذهب كما تفعلها بكل مرة بعدما يرفض، لن تفوت فرصة أن تكون برفقة صديقها العزيز في يومه المميز، رغم ضيقها من اقامته في بلد كيرا ولكنها للأسف الشديد تُحب تلك البلد كثيرًا، وما يجعلها متحمسةً أكثر مرافقة الشباب إليها للمرة الأولى، لن تكون رحلة عادية، لقد خططت للكثير من الاشياء التي سيفعلونها في هذا الشهر، وأهمهم حفلة عيد مولدها غير التقليدية.
*****
في المساء وخاصةً الواحدة بعد منتصف الليل، كان يسير بين ممرات المشفى بتعب شديد وخاصةً القسم الذي لا يهدأ، "قسم الطوارئ" مثل خلية النحل على مدار الأربعة وعشرون ساعة طوال العام، من هُنا تكون بداية القصة لكل قسم وبداية الرحلة لكل مريض مع مرضه، تفرغ للتو من تقطيب ذراع طفل في المرحلة الابتدائية قد ناله منه الكثير من السباب والركلات حتى أصبح لا يشعر بمعدته من الألم، ما كان عليه اختيار تلك الحالة بل ما كان عليه اختيار تلك المهنة من البداية، عليه ارتشاف فنجان من القهوة الآن سريعًا قبل أن يسقط نائمًا بجانب أحد المرضى.
وأثناء جلوسه في كافتيريا المشفى يرتشف قهوته بتلذذ؛ ينعم ببعض الهدوء والسلام من ضجيج عقله وضجيج البشر من حوله، قد رأي سبب ضجيج حياته على مدار اليوم وكل يوم يركضون تجاهه بسرعة أخافته حتى كاد يهرب، بل بالفعل نهض يركض بخوف من أتيناهم بمصيبة أخرى يريدون إشراكه بها وهم من خلفه يتعجبون ركضه، لتصيح رانسي بعدم فهم:
"بتجري ليه يا سليم أقف ياعم تعبت."
"عايزين مني ايه، أنا سبت ليكم الدنيا كلها مش هنا كمان، والله حرام كده."
"ياعم قولنا اقف معانا مفاجئة ليك ومفيش وقت للعب القط والفار ده."
وقف أخيرًا وهم كذلك بعدما شاهد الجميع مسرحيتهم الهزلية على أرض الواقع، ليردد بنفاذ صبر متسائلاً:
"مفاجئة ايه يا استاذ باران، هو بيجي من وراكم غير المصايب."
وضعت أيلا يدها فوق صدرها بتأثرٍ هاتفة:
"لا مش كده يا سولي لقد رشقت في قلبي يا رجل."
أطاح برأسه ساخرًا لتردد رانسي بنفاذ صبر وسرعة:
"أنت جاي معانا كلنا مسافرين والطيارة كمان ساعة ومعانا نص ساعة لسة للمطار وأنت تغير وحوار انجز يلا مفيش وقت قبل ما أهير يعرف."
صُدم من الموقف رغم فرحته من الفكرة فهو لم يسافر من قبل:
"طب إزاي وشغلي وشنطتي والحجز وكل ده."
"شغلك وكلمت عمو أحمد ووافق وهو كمان كان هيديك اجازة تفصل بعد الامتحانات، وشنطتك جهزها باران وجواز سفرك كنت سرقته منك من يومين وتم الحجز بنجاح والطيارة كمان أقل من ساعة خلــــــــــــــص."
لا يعلم ماذا حدث وكيف تم الأمر ما بين ركضه في ارجاء المشفى حتى غرفة تبديل ملابسه وإيصالهم بسيارة "يوساب" شقيق باران الأكبر بسرعة جنونية حتى كادوا يلحقون بأكثر من حادث؛ حتى جلوسه الآن برفقة أصدقائه في الطائرة التي اقلعت منذُ دقائق؛ لبداية رحلة جديدة ستكون نقطة الفصل في حياتهم جميعًا...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمرحبًا بكم على متن أمواج الرحلة الاولى..
أنت تقرأ
لورانسي «البقاء للحكماء»
Casuale"إن ظننت أن القوة قوة الجسد فقط؛ عذرًا صديقي فَـ أنت أحمق؛ القوة تكمن في العقل ولا شيء سوى العقل".. «لورانسي» تختلف كليًا عن باقي أعمالي، فقد وضعت بها لمسة أخرى من عالم اللامستحيل والأحلام، عالم لاتوجد به قواعد أو أحكام، عالم قائم فقط على كل ماهو خ...