الفصل الاول||نقطة تحول

221 24 59
                                    

{السِر الغائِر}


تزينت الارض بثوبها الابيض، وسرعان ما تلطخ بالبقع الحمراء هنا وهناك، جثث وارواح كان لها احلاماً، قتلت على يد عدوٍ لا يفقه شيء في الانسانية.....

اخر الكلمات التي سمعتها من والدها قبل خمسة عشر عام، كانت كلمات وداع، يودعها بنظرة حنون بعدما ضم وجهها بكفيه واردف"اهتمي بنفسك صغيرتي فيولا".

واكملت حياتها مع والدتها، ولفرط اهتمامها بطفلتها كانوا يلقبوها بالمجنونة، ولَم تكترث قط، وها هي الان تفقد والدتها المجنونة، وهي تردف بذات كلمات الوداع
"اهتمي بنفسك صغيرتي فيولا".

الدماء غطتها، وبالكاد نطقت كلماتها الاخيرة، والدم يخرج من ثغرها، وهي تجاهد على اراضي الوطن الحبيب، استمرت الصواريخ تدوي هنا وهناك ،والجثث تسقط وهي تلون الثلوج بالاحمر!!

وجثت فيولا ابنة الخمسة وعشرين عاماً على قدميها، كرضيع لم يمشي قط! ورغم توسع عيناها بصدمة، بالكاد ادركت ما يحصل امامها ضمت جثة والدتها الى صدرها ولكنها كانت المرة الاخيرة.....

شعرت برَجُلين يرتدان دروع حديدية وخوذة رأس ووسم على درعهما ،علامة على انهما من حراس العائلة المالكة، يسحبانها بقوة وهي تصرخ وتدفعهما عنها بجسدها.
وهي تصرخ والالم يأكل ما تبقى من قلبها صرخات قوية كنبضات قلبها!!
"اتركاني قلت اتركاني اريد امي انقذوها ودعوني مكانها"

دون جدوى صراخ يفزع مجرم تشرد قلبه من الانسانية، لم يحرك كيان الحارسان وهاهي بعربة من الطراز العريق، ولم تتوقف عن شتمهم ودموعها تحرق خديها،

صواريخ العدو تدمر بيوتاً، وتحرق حقول ولا تأبه بتعب وشقى اهلها بِعمارها،
واحدى النساء انهارت وسط العربة، وهي تنادي باسم طفلها وتبكي بهستيرية وتشتم العدو وتلعنه،
ولم يزد بكائها بقية الركاب الا عذاباً فوق عذابهم،
وَتَرك في فؤادها المحطم سؤال"اهذه حال امي؟"

نظرت نحو ذراعيها كانتا شاحبتان وملطختان بدم والدتها ،تصمت وتُغمض عيناها لتغرقهم بالدموع، وتحلق بين ذكرياتها الى مزرعة والديها القديمة،زهور اللالفندر البنفسجية،شمسٌ ساطعةٌ صفراء،وَطنٌ سالمٌ و ضحكة والدتها ونظرة حَنون من والدها.

ايقظها من شرودها صوت احد الحراس، وهو يأمر النساء بالنزول سريعاً، ولاول مرة وجدت نفسها امام القصر الملكي، كان ضخماً وشاهقاً ،طوبه قديم تبني اللون، لكن الطابع الفاخر لازال فيه،
فضلاً عن باحة كبيرة تتوسطها نافورة بتمثال امرأة ورجل بالمنتصف ،وانواع الزهور وبوابة عملاقة من خشب صلب وحديد اسود.

وَقفت هي وحشد من النساء و الرجال امام رحمة الملكة،
كانت امرأة كبيرة بالسن والتجاعيد تسود وجهها ،عروق يديها واضحة شعرها اسود مغطى بالشيب ،وعينان زرقاوتين حادتين، ترمقهم بشفقة وتردف بعد طول انتظار وصمت طويل.

"السِر الغائِر"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن