عدت إلى فصلي وأنا مغمورة بالفرحة من أعماق قلبي. لم أفرح بهذه الفرحة منذ فترة طويلة بين هذه البيئة السيئة التي لم تقدّرني. وأخيرًا، جاء الأستاذ أحمد اليوم وقد أحضر لي من المدينة كتابًا. ويبدو أنه ليس كتابًا عاديًّا، فهو كبير ويحتل حيزًا كبيرًا من التغليف. لذلك كان حريصًا على فتح الهدية والبطاقة التي شكلها يسحر الأنظار. ولكن هذه الهدية من المُحتمل أن تكون أجمل هدية قد أُهديت لي في حياتي.
دخلت الفصل مع استغراب جميع زملائي من الهدية التي بين يدي، وتطايرت نظرات الحسد والغيرة من عيونهم أكثر فأكثر. ضممت الهدية إلى صدري وأخبأتها في حقيبتي، وجلست أنتظر الدقائق والثواني لأعود إلى المنزل وأفتح الهدية الخاصة بي. أكملت يومي في المدرسة، وكنت في غاية الفرحة لأن اليوم الخميس وغدًا الجمعة، أي عطلة. سأتفرغ لقراءة الكتاب وأستمتع بكل كلمة فيه، وأضمه إلى مجموعة كتبي الحبيبة التي ليست كبيرة، ولكن هذا كل ما لدي. أحفظهم كتابًا كتابًا، ولا أنسى مدى جمالهم وحلاوتهم عندي، وأقرأهم مئات المرات لأنه ليس لدي غيرهم.
انتهى اليوم الدراسي، وعدت راكضة باتجاه بيتنا. على الرغم من أن العودة إلى بيتنا كانت طويلة ومرهقة، إلا أنها كانت جميلة، محفوفة بالذكريات البراقة والأماكن الجميلة. كنت أعبر بين الغابة والحقول حتى أصل إلى الضفة الأخرى في الشارع الرئيسي، وأتمشى حتى مكان المدرسة التي تتواجد في آخر القرية على مدخل الخروج من المدينة. يعني أنها أبعد منطقة في القرية، وبيتي في وسط القرية. ولكن كنت أحب طريق المدرسة لما فيه من ذكريات. لقد قضيت سنوات دراستي كلها أمشي في هذا الطريق الجميل، المليء بالأزهار والورود والأشجار.
مثلًا، الآن آخذ نفسي تحت شجرة التوت الكبيرة جدًا، وهي في منتصف الطريق. أجلس تحت ظلها في فصل الصيف، وأيضًا في فصل الشتاء عندما تهب الرياح والأمطار، كنت أجلس تحتها واسترح. ها أنا أمشي في سهل النرجس، وهو قريب من بيتنا. الأرض واسعة ومليئة بزهور النرجس، وهنا أحب أن أركض وأركض وأركض لأشعر أنني طائر في السماء يحاول الوصول إلى الحرية والخروج من هذه البيئة التي أعيش فيها. أركض حتى ينقطع نفسي، ثم أتوقف وأتمدد على الأرض وأنظر إلى السماء وأتأمل جمالها وأسرح في خيالي الواسع.
أنا طبيبة وأرتدي الثوب الأبيض، وقد حققت حلمي وشفيت الكثير من الناس وأنقذت أشخاصًا كثيرين من الموت، وأنجح في إبعاد الموت من العالم.
أخيرًا وصلت إلى بيتي، وقد اقترب الليل من الإرخاء وذهب ضوء الشمس. دخلت البيت لأجد أبي وإخواني في وجهي، وقد عادوا من الحقل وهم متعبون.
أبي: ما هذا الذي في يدك؟
الين: هدية، كتاب قد أحضره لي الأستاذ أحمد من المدينة.
أبي: لطالما لم أحب هذا الرجل.
خالد: إنه شخص غريب دخل على القرية ولا نعرف أصله ولا فصله، والجميع يحذرون منه ولا يحبونه.
الين: لا تتكلموا عن الأستاذ أحمد هكذا. إنه شخص متعلم ومثقف وذكي جدًا، ولم أر شخصًا أفضل منه. إنه عبقري وطيب القلب، وليس مثلكم.
نظر خالد إلى الين بغضب وبعين فيها كره وغضب.
سحب الهدية من يد الين وقال بصوت عال: دعونا نرى ما داخل هذه الهدية.ضاقت الين ذرعًا عندما رأت هذا المنظر، فسحبتها من يده وصرخت في وجهه:
لا تلمس أغراضي. هذه هدية ثمينة وغالية على قلبي. لا تلمسها.وذهبت ركضًا إلى غرفتها، وأخبأت الهدية تحت السرير، وذهبت لتغيير ملابسها وتناول وجبة العشاء. في آخر الليل، أشعلت شمعة وبدأت في فتح الهدية بكل حذر وحب، لكي لا تخرب الغلاف، فهي تريد الاحتفاظ به. اكتشفت أن الهدية كانت كتابين وليس كتابًا واحدًا، مما أضاع الفرح منها.
عناوين الكتب كالتالي:
1- مغامرات في بلاد العجائب.
2- أنا أقوى مما تتصور.كانت فرحتها لا توصف وهي تتفقد الكتب وتنزع الغلاف البلاستيكي عنها بكل حب، وتشم رائحة الورق الجميلة والعتيقة. ضمت الكتب إلى صدرها وحمدت الله على هذه النعمة. خبأت الغلاف تحت السرير، والكتب في منطقة الكتب التي لا تتعدى 10 كتب مرتبين بطريقة جميلة ومنظمة، وقد بان عليهم الاهتمام. أمسكت البطاقة وأخرجت منها الورقة.
من: أ. أحمد
إلى: طالبتي وابنتي إيلينالساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل، وقد عدت من المدينة ودخلت الفندق واشتريت لك هذه الكتب التي آمل أن تروق لك. ودّدت أن أكتب لك.
إنك أذكى وأجمل فتاة قابلتها في حياتي، وأنا أنتظر منك مستقبلاً باهراً. أراك كما أرى نفسي شيئاً كبيراً في المستقبل. وأنا على كل الثقة أنك سوف تنجحين وتحققين حلمك فوق أي قوى وجدت على الأرض. أنا متأكد أيضاً أنك سوف تجتازين هذا العام بتفوق باهر سوف تفرحيني بنجاحك، أليس كذلك؟
أستاذك المحب، أستاذ أحمد.
كانت دموعي قد نزلت وفات الأوان من جمال رسالة الأستاذ، الإنسان الوحيد الذي آمن بي وآمن في قدراتي وحلمي.
إيلين: أعدك يا أستاذ أنني سوف أنجح وأتفوق، وسترى ابنتك إيلين في أعلى المراتب.
أخبأت كل شيء وأطفأت الشمعة وخلدت إلى النوم، لأن غداً يجب أن أستيقظ باكراً لأبدأ في قراءة الكتب.
Mohammed Zaro
أنت تقرأ
آمل في الرماد
Short Storyفي أعماق قرية نائية محاطة بالطبيعة البكر وساحتها التي تعج بصوت الرياح العاتية، تلمع عيون نور بحلم كبير يكاد يبدد ظلام الفقر والمعاناة. الين الفتاة الطموحة التي لا تعرف الاستسلام، تحلم بأن تصبح طبيبة لتعيد الأمل والحياة لقريتها التي أنهكتها الأمراض و...