قطعة بازل | PUZZLE PIECE

131 20 68
                                    

في ليلة شتوية باردة بَلِيلَة ، كانت السماء ملبدة بغيوم داكنة كثيفة، تبدو وكأنها تحمل في طياتها أسرار الكون الغامضة، تلك الأسرار التي لا يمكن للبشر العاديين أن يدركوا كنهها. الغيوم تتراكم بكثافة، تشكل لوحة سماوية تحكي قصة غامضة ، قصة لا يستطيع أحد فك شفراتها. الغيوم كانت تتحرك ببطء، وكأنها تتآمر فيما بينها، تحمل على متنها أسرارًا قديمة وأحلامًا منسية، تتشابك في رقصة بطيئة، متناغمة مع الطبيعة القاسية التي كانت تسود تلك الليلة.

الرياح تعصف بشدة، تصدر صوتًا يشبه أنين الأرواح الضائعة، تحاول البوح بقصصها المؤلمة في هذه الليلة الحالكة. كانت تطرق بقوة على النوافذ المهتزة، كأنها تحاول الدخول إلى الداخل، تحاول اختراق الحواجز الزجاجية الباردة.كانت الأشجار تتمايل تحت وطأة الرياح، أغصانها تتراقص بشكل غير متزن و تتطاير الأوراق المتساقطة و ترقص في الهواء، تدور بشكل غريب كأنها تحاول الهروب من قوة الرياح العاتية. النوافذ تصدر أصواتًا كأنها احتجاجات قديمة، احتجاجات على هذا الطقس القاسي الذي لا يرحم. تلك الأصوات تشبه صرخات مكتومة ...

الجو في الخارج كان مظلمًا، مظلمًا بشكل مخيف، كأن الليل قد بسط جناحيه السوادوين على الأرض، لا يكشف إلا القليل من الضوء الذي يتسلل بخجل من بين الغيوم الكثيفة. الهواء كان مشبعًا برائحة المطر القادمة، التي تضفي على الأجواء شعورًا بالمأساة .

في البيوت، كانت المدافئ مشتعلة، تنشر دفئًا خفيفًا يكاد لا يكفي لمواجهة هذا البرد القارس. كان الناس يلتحفون بالأغطية الثقيلة، يتجمعون حول المدافئ، يتبادلون الأحاديث بصوت منخفض، كأنهم يخشون أن يسمعهم هذا الليل القاسي. كانت هناك قصص تُروى، قصص عن أزمنة قديمة، وعن أناس عاشوا وماتوا، وعن أحلام تحققت وأخرى ضاعت في مهب الريح..

كل شيء في تلك الليلة كان يحمل طابعًا من الخوف، كأنها ليلة من ليالي القصص الخيالية، تلك القصص التي تبدأ بجملة "في ليلة شتوية باردة...". كانت تلك الليلة تحمل في طياتها شيئًا أكثر من مجرد طقس بارد، كانت تحمل أسرارًا تنتظر أن تُكتشف، وأحداثًا تنتظر أن تُروى.

كانت ليلة شتوية باردة بحق، ليلة تعصف فيها الرياح، وتغطي الغيوم السماء، وتملأ رائحة المطر الهواء، ليلة تحمل في طياتها حكايات .

داخل غرفة في منزل صغير يقع في قلب المدينة، كان بارناباس جوناثان جالسًا على كرسي خشبي قديم، مائلًا بجسده إلى الأمام، منكفئًا على طاولة مكتبه المصنوع من الخشب الداكن التي كانت عليها آثار الزمن وبقع الحبر القديمة .

كان يبدو وكأنه رجل غارق في بحور البحث عن الحقيقة. المكتب محاط بجبال من الكتب ، المقالات القديمة ، أوراق متناثرة و أقلام حبر جافة، التي تراكمت على الرفوف بشكل عشوائي، تمثل تجسيدًا لرحلته الطويلة في عالم المعرفة و الصحف .

ECHO | صَدىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن