الفصل الثاني

55 1 0
                                    

الفصل الثاني.

نهض "فريد" من نومه فزع، أنفاسه متلاحقة وعينيه زائغة وحبات العرق تملأ وجهه وعنقه، نهضت "هند" التي كانت تتوسد ذراعه، تسأل بقلق.
_ تاني ؟؟

أبتلع "فريد" ريقه وأخذ يمسح على وجهه وعنقه وصدره، فقد شعر بأختناق في أنفاسه، فنهضت "هند" مسرعة تحضر له كوب ماء، تناوله منها بكفٍ يرتجف قليلاً، فأمسكته بدلاً منه وأخذت تُشربه حتي أبتعد وأسند ظهره على مقدمة الفراش وهو يأخذ أنفاسه بصعوبة.

تحركت "هند" وجلست جواره وأخذت تمسح علي وجنته برفق، فأغمض عينيه وهو يستند برأسه عليها، فهمست بحنان.
_ أنا شايفة أنه كفاية كدا، لازم تروح لدكتور وتشوف حكاية الكوابيس دي.

أنتفض "فريد" وهو يرمقها بأعتراض، فلم تهتم وتابعت.
_ فريد أنت على الحال دا من ساعة ما تجوزنا، لحد أمتي هتفضل كدا ؟؟

جاء رده صارم وهو ينهض مبتعد عنها.
_ أنا سبق وقولت متفتحيش معايا سيرة الدكاترة دي، أنا مش مجنون يا هند، أنتِ فاهمة ؟؟

نهضت خلفه وتمسكت بذراعه وهي تنفي ما قاله بنبرتها الهادئة.
_ وأنا مقولتش عليك كدا يا حبيبي، أنت طبعاً زي الفل، بس أنا خايفة عليك وحابة نطمن مش أكتر.

زفر بضيقٍ، يقول بحدة.
_ لا أطمني أنا كويس، وهبقي كويس أكتر لو قفلتي الموضوع دا ومتكلمتيش فيه تاني، تمام ؟؟

لم تجيبه، بل أمأت برأسها وهي تتجه نحو الفراش لتستلقي عليه، بينما هو خرج من الجناح وهبط للأسفل تحديدًا نحو مكتبه، دلف وأوصد الباب خلفه، جلس على مقعده الوثير خلف مكتبه الخشبي الضخم، وضع رأسه بين كفيه وهو يعتصرها، لقد سئم من تلك الكوابيس التي تلاحقه فى منامه كل ليلة دون توقف، أضحت جميع لياليه عذاب، حتي أنه أحياناً يشعر أن بداخل عقله يوجد أشباح تسكنه وهي التي تطارده ليلاً عند غفوه.

ربما "هند" مُحقة فى إقتراحها لزيارة طبيب، هو لم يعد يتحمل، ولكن ماذا عن صورته وسمعته ؟؟ ماذا عن رجل الأعمال صاحب السيط والشهرة الواسعة ؟؟ هل سيصبح بين ليلة وضحاها مجنون ؟؟
نفض تلك الفكرة عن رأسه تماماً، هو لن يجاذف أبدًا بأي شئ يمس سمعته أو مكانته مهما كلفه الأمر، حتي لو أضطرته تلك الكوابيس اللعينة لأن يبقي طيلة الليل مستيقظاً سيفعل.

_________________

كانت ألواح الخشب متناثرة من حوله، والتي معظمها على شكل أدراج وطاولات صغيرة، وغيرها على شكل أثاث تابع لديكورات غرف النوم، والكثير من صفائح البوهية ذات اللون الأبيض أيضاً، ورغم أنه لم يعمل بمثل هذه الحرفة من قبل، ألا أنه أستمتع بها قليلاً، لطالما عشق الرسم والنحت.

أثناء طليه لأحد جوانب الدرج، تذكر كل المتاعب التي مر بها خلال دراسته للهندسة، وحلمه بالتعيين كـ مُعيد بجامعته، ولقب دكتور الذي كان يطمح لسماعه، أبتسم بمرارة وهو يهز رأسه فى أسي، ها هو بنهاية المطاف، يقف ليطلي الألواح الخشبية وسط فناء السجن الواسع، وتحت أشعة الشمس الحارقة.

# مـا _بـيـن_ الأبيــض_ والأســود.Where stories live. Discover now