شعرت بيدٍ تطوقها، ففتحت عينيها بتعب، كان "فريد" يتسطح جوارها، ويداعب خصلاتها، أعتدلت جالسة تفرك جبينها بأرهاق، صداع شديد يجتاح جمجمتها، وجدت "فريد" يقترب منها ويكوب وجهها بين كفيه، يسألها بقلق.
_ مالك يا روحي، أنتِ تعبانة ؟؟هزت رأسها بنفي وهي تجاوب.
_ مفيش حاجه، شويه صداع بس.أمأ وأعتدلت هي ناهضة من جواره، متجهة للمرحاض وقبل أن تتابع سيرها توقفت وأستدارت نحوه، تسأل.
_ فريد، أنت كنت فين ؟؟جاوبها "فريد" وهو يُشعل أحدي سجائره.
_ كنت في المصنع، بشوف الدنيا هناك وبطمن علي أحوال العمال.هزت رأسها وبقت مكانها تحملق به، فأبتسم وهو يسأل.
_ فيه حاجه يا هند ؟؟بادلته الإبتسامة وهي تقول.
_ مفيش، بس لمه جيت من برا أفتكرتك هنا.أختفت أبتسامته وأجاب بعد لحظات من الصمت.
_ لا كنت في المصنع.أمأت ورحلت من أمامه، هو يعتقد أنها عادت بعدما رحل هو عن الفيلا، لم يرى سيارتها أذن، بالطبع فهو كان يرحل كالعاصفة، زفرت ومسحت علي وجهها، ألم رأسها يكاد يفتك بها، فتحت الصنبور وأخذت تنثر قطرات الماء علي وجهها وعنقها، تطالع أنعكاس صورتها بالمرآة، لقد سقط قناعها الآن، وأستعادت "هند" القديمة، تلك الفتاة الرقيقة المشاغبة ذات الأفعال الجنونية، التي كانت تطمح بحياة بسيطة يملأها الدفء والسعادة والكثير من الأطفال كما تمنت، ربما كانت تغضب وتثور بعض الأحيان، ناقمة علي كل شئ، ألا أن تلك الحياة بصحبته كانت تعني لها الكثير، بل كل ما كانت تريد.
أغمضت عينيها تطرد جميع أشباح الماضي، تستعيد من جديد، "هند" .. المرآة القوية ذات الملامح الحادة، العنق الطويل، الأنف المرفوع، والقلب المطعون.
خرجت من المرحاض، لتجد "فريد" يتناول من "مها" كوب قهوته، أتجهت ناحية المرآة تصفف خصلاتها، بينما هو جلس يرتشف من فنجانه، فسألته.
_ قهوة دلوقتي يا فريد ؟؟أجاب بجمود يواري حقيقة تناوله للقهوة في وقت متأخر كهذا.
_ عندي كذا ملف محتاجين يتراجع عليهم.هزت رأسها رغم علمها بالحقيقة جيدًا، "فريد" لا يسهر أبدًا، بل هو من أنصار النوم المبكر، لكنه الآن يتخذ القهوة سبيلاً للهرب من النوم وكوابيسه!
مسكين "فريد"، يتهرب من الوحوش في صحوه ومنامه ..
___________________توقفت السيارة على أول شارع منزل والديها _منزلها قديمًا _، هبطت منها وهي تبتلع غصات مؤلمة بحلقها، ومع كل خطوة تتقدمها تتذكر أيام وأحلام ووجوه كثيرة، جميعهم قد رحلوا، ولم يتبقي لها غير الذكريات الموجعة فحسب.
وقفت أخيرًا أمام بنايتها، تلتقط أنفاسها بهدوء، مسيطرة على ما يجتاحها من مشاعر، ألتفتت قليلاً تلقي نظرة على بناية مقابلة لبنايتها، طالت نظرتها وألتمعت عينيها ببريق لامع، أستدارت وأستردت أنفاسها من جديد وصعدت أدارج السُلم، قابلت بوجهها عم "طُلبه" بواب العمارة، ألقت عليه السلام وبادلها هو أيضًا بحرارة شديدة، ثم أخذ يسألها عن أحوالها وصحتها، وهي تجاوبه مبتسمة بحنين لذلك العجوز الطيب.
YOU ARE READING
# مـا _بـيـن_ الأبيــض_ والأســود.
General Fictionأنها الهزيمة الكبري، الهزيمة التي لا ننهض منها، ونتبقي من بعدها حُطام تحيا.