في قلب المدينة الصاخبة، حيث تلتقي الأصوات المتنافرة وتتشابك الأرواح التائهة، كانت هناك منطقة تخفي بين أزقتها أسرارًا أبدية. في تلك الأحياء القديمة، كانت الحكايات تتردد على ألسنة المارة، يرويها الكبار للصغار، مملوءة بالغموض والخوف. هناك، حيث ظلال المباني الشاهقة تحجب ضوء الشمس، تبدأ قصتنا.
ليلة خريفية باردة، يتناثر فيها الضباب كالحجاب بين الواقع والخيال. يتسلل هذا الضباب عبر الشوارع الضيقة والأزقة الملتوية، ليضفي على المدينة هالة من الغموض. كان الوقت متأخرًا، والناس قد تفرقوا إلى منازلهم، عدا شخص واحد. كان سامي، شاب في مقتبل العمر، يتجول بلا هدف. عيونه تراقب كل زاوية، تبحث عن شيء ما لا يدري كنهه.
سامي كان يعيش في تلك المنطقة منذ ولادته، ولكن الليلة كانت مختلفة. شعر بنبضات قلبه تتسارع، وكأن المدينة نفسها تهمس له بأسرارها الدفينة. على حافة الرصيف، جلس سامي للحظة، محاولًا فك شيفرة هذا الإحساس الغريب. أخرج سيجارة وأشعلها، وبدأ يراقب الدخان وهو يتلاشى في الهواء البارد. فجأة، انبثق من الظلام رجل مسنّ، له ملامح متهدلة وثياب بالية. اقترب منه ببطء، وعيناه تلمعان ببريق غريب.
"أنت تبحث عن شيء، أليس كذلك؟" قال الرجل بصوت مبحوح، وكأنه يعرف كل ما يدور في عقل سامي.
تفاجأ سامي من هذا السؤال المفاجئ، ولكنه أجاب بعد تردد: "نعم... ربما. لكنني لا أعلم ما هو."
ابتسم الرجل ابتسامة غامضة وقال: "كلنا نبحث عن شيء ما. بعضنا يجد ما يبحث عنه، والبعض الآخر يظل يبحث للأبد."
كان لهذا الكلام وقع غريب على سامي. حاول أن يستفسر أكثر، ولكن الرجل اختفى في الضباب قبل أن يتمكن من قول شيء آخر. عادت المدينة إلى صمتها المعتاد، وكأن شيئًا لم يحدث.
استمر سامي في التجوال، وكل خطوة تأخذه أعمق في قلب الأحياء القديمة. فجأة، وجد نفسه أمام بناية مهجورة، مغطاة بالكتابات القديمة والرموز الغامضة. كانت هذه البناية تثير فضول سامي منذ صغره، لكن الليلة، كان الإحساس أقوى. دفع الباب المهترئ ودخل إلى الداخل.
الداخل كان مظلمًا وباردًا، ولكن سامي شعر بشيء يجذبه للمكان. أضاء هاتفه المحمول ليكتشف ما تخبئه الظلال. الجدران كانت مغطاة بصور قديمة، وجوه لأشخاص عاشوا هنا قبل عقود، وربما أكثر. ولكن كان هناك شيء آخر يجذب انتباهه، درج ضيق يتجه للأسفل، نحو قبو مظلم.
بدافع من الفضول، بدأ سامي ينزل الدرج، خطوة بخطوة، وقلبه ينبض بسرعة. وصل إلى قبو مظلم تفوح منه رائحة العفن والرطوبة. في وسط القبو، كانت هناك طاولة قديمة، مغطاة بالغبار، وعلىها كتاب كبير مغلق بإحكام.
اقترب سامي من الطاولة بحذر، وأخذ الكتاب بين يديه. كان الغلاف مصنوعًا من جلد قديم، ومزينًا بنقوش غريبة لم يستطع فهمها. فتح الكتاب ببطء، وبدأ يقلب الصفحات، كل صفحة تروي حكاية مختلفة، مليئة بالأسرار والرموز.
فجأة، توقف عند صفحة معينة، تحمل صورة لرجل يشبهه كثيرًا. كان هذا الاكتشاف صادمًا، وجعله يشعر برعشة باردة تسري في جسده. كيف يمكن أن يكون هناك صورة لشخص يشبهه تمامًا في كتاب عمره عشرات السنين؟
بينما كان سامي يغرق في أفكاره، سمع صوتًا خلفه. استدار بسرعة، ليجد الرجل المسن الذي قابله في الشارع واقفًا عند مدخل القبو. "لقد وجدت ما كنت تبحث عنه، أليس كذلك؟" قال الرجل بابتسامة غامضة.
لم يستطع سامي الإجابة، كان مذهولًا مما يحدث. تابع الرجل قائلاً: "هذا الكتاب يحمل أسرارًا عن ماضيك، عن عائلتك، وعن المدينة. لكنه يحمل أيضًا تحذيرات. ليس كل ما في الكتاب يجب أن يُكتشف."
أخذ سامي الكتاب وخرج من القبو بسرعة، وهو يشعر بثقل المعرفة التي حصل عليها للتو. عاد إلى منزله، وأغلق الباب خلفه بعنف. جلس على سريره وفتح الكتاب مرة أخرى، مصممًا على كشف كل سر وكل لغز.
لكن الليلة كانت طويلة، والأسرار كثيرة. وبينما كان يتعمق في صفحات الكتاب، بدأت القصص تتداخل مع واقعه، وبدأ يشعر بأن الظلال التي كانت تحيط بالمدينة بدأت تلاحقه. كان يعلم أن حياته لن تكون كما كانت بعد الآن، وأنه قد دخل في لعبة خطيرة، لعبة الظلال والأشباح.
في تلك اللحظة، أدرك سامي أن رحلته قد بدأت للتو، وأن الطريق أمامه مليء بالمخاطر. ولكن كان هناك شيء واحد مؤكد، أنه لن يتراجع حتى يكشف كل الأسرار، ويعرف الحقيقة كاملة، مهما كلفه الأمر.

أنت تقرأ
أشباح الانتقام: حروب الظلال
Misterio / Suspensoرواية "أشباح الانتقام: حروب الظلال" هي قصة غامضة ومشوقة تتبع مجموعة من الأبطال الشجعان، وهم سامي، ليلى، أمير، وإيمان، الذين يشكلون فريق "حماة الظلال" لحماية مدينتهم من تهديد غامض يُعرف بـ"الظلال". يتلقى الفريق رسالة مشفرة تكشف عن هجوم مرتقب، ويكتشفو...