الفصل التاسع : روح اخرى في داخلي

13K 472 27
                                    

احاول إلتقاط اجزاء قلبي المحطم و اعادته كما كان لكن كلما وجدت جزء افقد الاخر و ها هو عقلي يحاول تشجيعه ببعض الكلمات لكن دون جدوى قلبي يرفض الاستماع ...
تجمد جسمي تماماً و لم يتبقى سوى عيناي اللتان بقيتا تتفحصان ما حولها .. اوقف رايفين السيارة في الموقف المخصص لها .. اخد مفتاح السيارة ووضعه في جيب سترته ثم قال : انزلي لقد وصلنا
تحركت من مكاني اخيراً حملت حقيبتي و خرجت من السيارة، اقفلت الباب أو هذا ما ظننته حتى عاد رايفين و اغلقه جيداً ثم امسك بيدي ليأخذني إلى الداخل .. في البداية عبرنا من خلال بوابة ضخمة مصنوعة من الحديد المطلي باللون الاسود ثم مررنا بالحديقة الامامية المليئة بالازهار الجميلة ذات الرائحة العطرة .. ثم سرت مع رايفين طريق طويل مفروش بالسجاد الاحمر حتى وصلنا إلى باب قاعة الاحتفال .. ترك رايفين يدي و دخل لم اعرف ماذا افعل او اين اذهب لذلك تبعته.

مضت الوقت ببطئ شديد و مازال رايفين يلقي التحيه على المدعوين و كأنه مقيم الحفل و اخيراً لاحظ و جودي و قال : لماذا تتبعيني؟
همست في اذنه : لا اريد ان اضيع
قال : هل انتِ طفلة؟
همست مجدداً : لا ، لقد اصبحت بالغة منذ زمن
قال : ارجوكِ ابتعدي قبل ان افقد صوابي
اجبته بتردد و قلق : حسناً
سرت مبتعدة عنه لاجلس على الكرسي اشرب كأس من العصير البارد ، و اختلس النظر إليه بين كل فترة، انه يتحدث معهم مجدداً، تباً لماذا اتيت إلى هنا ، حدثت نفسي : الجميع يبتسم بسعادة باستثناء انسة جميلة تجلس على الكرسي تشرب العصير، انه حقاً شخص سيء يدعوها ثم يتركها وحيدة.
عندما انتهيت من تذمري نظرت إليه مجدداً لاجده يجلس مع فتاة فاتنة تتحدث معه و تضحك بخجل
نظرت إلى كأس العصير محاولة تجاهل ما رأيت و فجأة لاحظت وقوف رجل امامي نظرت له لاصدم و اقول : ابي! ماذا تفعل هنا؟
اجاب بلطف : لقد دعاني مديري في العمل ، ماذا عنك؟
تنهدت ثم اجبته : انا مع ذلك القرد الذي تزوجته بسببك ، انظر لقد تركني و ذهب يعبث مع الفتيات
انهيت جملتي و نهضت من مكاني و تركته يقف متعجباً ، جلت في انحاء القاعة عدة مرات إلى ان شعرت بالملل ، خرجت إلى الشرفة لاستنشق بعض الهواء النقي لقد اختنقت من رائحة العطور، يبدو ان السماء كئيبة جداً ، الغيوم تغطيها بالكامل لا استطيع رؤية القمر همست اغني :
"ابحث عنك هنا و هناك
اميري اين انت الآن؟
لقد مللت من البحث عنك
هل مللت انت ايضاً ؟
ارجوك اميري ابحث عني
لا تتركني وحيدة مع سماء الليل
ابحث عنك بين الغيوم
و أسأل القمر الخجول
اين هو اميري العزيز؟"
توقف عن الغناء بعد ان سمعت صوت ناعماً من خلفي يقول : صوتك جميل
إلتفت نحو مصدر الصوت و اجبت : شكراً
نظر للمتحدث بتفحص لقد كانت امرأة كبيرة ذات شعر اسود كسواد هذه الليلة ، ترتدي فستان جميل مملوء بالفرو الناعم
ابتسمت تلك السيدة لتظهر بعض التجاعيد في وجهها و تحدثت : لماذا انتِ وحيدة؟
فكرت ثم اجبتها : ربما لانه تركني
سألتني بلطف : مٓن هو الغبي الذي يترك فتاة جميلة مثلك؟
إلتزمت الصمت قليلاً ثم قلت بتردد و انا انظر للاسفل : انه رايفين
" هل هو اميرك؟ "
اجبتها بغضب : لا .. انه قرد
تحدثت متعجبة : قرد! .. ضحكت ثم تابعت حديثها : حسناً لا تقلقي ، دعيني اهتم بامره
انهت جملتها ثم عادت إلى الداخل و تركتني اتسأل : هل تعاني من خلل ما في عقلها؟ أم تحاول الظهور كالبطلة التي تنقذ الضعفاء و الضائعين؟ ..
تنهدت بملل ثم نزلت للحديقة عبر السلالم ، سرت بخطوات بطيئة بين المدعوين انظر إليهم يضحكوا بسعادة .. توقفت عن السير بعد ان اصطدمت بي فتاة مجنونة
قالت صديقتها بغضب : تباً ، انظري امامك
قلت لتلك المجنونة : صحيح يجب ان تنظري امامك جيداً
تحدثت صديقتها موضحة لي : عفواً لكن انا اتحدث معك
وجهت كلماتي للمجنونة قائلة : يجب ان تستمعي ، انها تحدثكِ
انفجرت صديقتها غاضبة : هل انتِ غبية؟
اجبتها : لا انا ماي
قالت المجنونة بنفاذ صبر: انتِ حقاً غبية لما لا تفهمي؟
ابتسمت بسخرية و تحدثت : لقد فهمت كل شيء منذ البداية ولكن لانك فتاة سيئة اردت ان استمتع باغضابك
هذا مذهل استطيع ان اؤكد ان تلك المجنونة بدأت في التحول لتنين هائج بينما صديقتها تتحول لساحرة قبيحة .. انها تعتقد ان سكب العصير على فستاني سيجعلني غاضبة ، نظرت إلى بقعة العصير ثم نظرت إليها و تنهدت بيأس ثم قلت و ابتسامة النصر تعلو وجهي : انه تصرف طفولي للغاية ، أليس لديكِ شيء افضل لفعله؟ إن لم يكن لديك فسأغادر وداعاً
تركتهما غاضبتان خلفي و تابعت التجوال في الحديقة.
في اثناء تجولي لاحظت وجود جزء من الحديقة خالي من المدعوين يحتوي على تمثال حجري يضخ المياه جلست قربه اغسل البقعة المتسخة على فستاني وفجأة انزلقت يدي و سقط رأسي و يداي مع جزء من فستاني في الماء، انها شديدة البرودة كلما حاولت الخروج منها اجد نفسي اسقط فيها اكثر من السابق ، اخرجت يدي من الماء و احكمت قبضتي على التمثال ثم اخرجت يدي الاخرى و اخيراً رفعت رأسي بقوة لاندفع لخارج المياه و اسقط مجدداً و لكن هذه المرة على العشب.
هبت رياح قوية وقفت امامها احاول ملئ رئتاي بالهواء ، بينما هي ترتطم بفستاني المبتل لتشعرني بالبرد الذي بدأ يتسلل بهدوء متجه إلى قلبي ، و فجأة سمعت صوت فتاة تتحدث مع صديقتها ، و على الفوراختبئت خلف التمثال ادعو أن لا تكون تلك المجنونة و الساحرة قادمتان ، إن مظهري في غاية السوء...
توقفت عن الدعاء عندما تأكدت أن الصوت و طريقة التحدث مختلفان تماماً، انا لا اقصد التنصت و لكن صوتهما مرتفع
قالت الفتاة بغضب : تباً انه لا يتوقف عن الحديث عنها
اجابتها : انه يحبها
حدثت قلبي : يبدو أن احدهم قد حصل على الحب ، متى ستحصل عليه انت ايضاً .. قلبي لا يجيب اظنه قد تحطم بشدة
تابعت التنصت اعني الاستماع
قالت : انا اريده
" انتِ تريدِ ثروته و اسم عائلته فقط "
" و ما المشكلة في ذلك؟ لحظة انه وسيم ايضاً لذا اعتقد انني سأحبه "
"هل ستحبيه لوسامته؟ .. تنهدت: على اي حال هو لا يريدك انه يحب زوجته فقط"
" سحقاً له و لزوجته ماي .. ماي .. ماي .. اسمها لا يغادر عقلي "
قلبي ينبض بقوة و كلامها يتردد في اذني " زوجته ماي " بينما عقلي يفكر هل هو رايفين؟ هل كانت تتحدث عن رايفين؟ هل هو يحبني؟ رايفين لا يتوقف عن الحديث عني!
نظرت إلى الفتاة بينما هي تغادر الحديقة .. انها الفتاة التي كان رايفين يعبث معها
وضعت يدي استشعر نبضات قلبي و ابتسم بسعادة ثم همست : انا اريد رؤيتك.. رايفين
نهضت من مكاني لاقابل رايفين يجب ان اجد طريقة تمكنني من مقابلته فانا مبتلة و لا استطيع العودة للداخل ،و بينما انا ابحث عن طريقة قبض علي حراس الحديقة
قال الحارس : من انتِ؟ كيف تسللتي للداخل؟
اجبته : انا ماي زوجة رايفين
لم اكن اتخيل ابداً اليوم الذي ساعترف فيه انني زوجة رايفين .. ولكن كل هذا من اجل خطتي، إن لم استطع الدخول إذا علي استدراجه للخروج .. انها حقاً فكرة مذهلة تثبت ذكائي
صرخ الحارس غاضباً : هل تسمعينني؟
اجبته : توقف عن الصراخ و اعد ما قلت
"لا تمزحي معي من المستحيل ان تكوني زوجة السيد رايفين "
تحدث الحارس الاخر : لا اعتقد ان زوجة السيد رايفين ستأتي للحفل بفستان مبتل
ثم بدأ باقي الحرس بالضحك كالمجانين تماماً
قلت له بحزم : انت حقاً حارس وقح.. إن لم تكن تصدقني اذهب لاحضاره
خفت لوهله انه سيرفض لكنه نظر لاصدقائه و ابتسم ثم ذهب .. انه يريد السخرية مني و لكن من المؤسف انني لا اكذب
بدت الدقائق و كأنها ساعات لا عجب في ذلك فتحديق الحرس مزعج و اخيراً رأيت الحارس يعود راكضاً و معه رايفين .. قلبي يخفق بشدة كلما اقترب اكثر .. لا اعلم ماذا اقول و افعل لاخفف غضبه الناتج عن مظهري السيء ، اقترب مني وضمني بلطف و قال : ماي .. هل انتِ بخير؟ ماذا حدث؟ لا تبكي لن اتركك مجدداً
صدمت من رد فعله تماماً ظننته سيصرخ ، قلت له بصوت منخفض خجول : انا لا ابكي
امسك بوجهي بلطف و قال : صحيح انتِ لا تبكي
ابتعد عني ثم ضرب قدمه بالارض و احمر خجلاً و قال : تباً لها كيف تفعل ذلك بحفيدها الوحيد
قلت : ماذا تعني؟ انا لا افهم
تنهد بعمق و اشاح بوجهه كي لا اراه ثم قال : اخبرتني جدتي انها رأتك تبكين لهذا قلقت و بدأت بالبحث عنكِ في كل مكان و اخيراً اتى الحارس واخبرني عنكِ
" لكن انا لا اعرف جدتك "
" اخبرتني انها سمعتكِ تغني و تحدثت معكِ"
صرخت : ماذا هل تلك هي جدتك؟
اجاب : نعم
" انها لطيفة و لبقة على عكسك تماماً لا عجب اني لم اعرفها ، رايفين .. لدي شيء اريد اخبارك به "
نظر رايفين إلى الحراس بحدة لكي يرحلوا عندما ابتعدوا قال : اخبريني
" سأقول لك ما اشعر به .. في الحقيقة تبدو ظريف عندما تخجل "
نظر إلي بانزعاج و قال : ما هذا الشعور؟
" ألست سعيد؟ "
اجاب : لا يوجد أي شاب سيسعد بكونه ظريف
سألته بشكل مفاجئ : هل تحبني؟
خلع سترته ثم وضعها على كتفاي ، وسار عائداً للسيارة بينما يمسك يدي باحكام .. انه يتجاهل سؤالي مجدداً ، في الحقيقة لم اكن اعتقد انه سيجيب لذا لا بأس .. فجأة توقف رايفين وترك يدي ثم إلتفت و قال : انا احبك...
اكمل رايفين سيره و تركني ابتعد بخيالي بينما ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضة تكاد تشقه.

انقضت عدة شهور ومع مضي الزمن اكتشفت حقيقة رايفين التي لم اكن اعلم عنها شيء.. انه شاب لطيف و بسيط، اظن انه خجول قليلاً، لكن هذا ليس كل شيء فشخصيته تتغير في بعض الأحيان من شاب جيد إلى اخر سيء .. و هذا التغير ليس بسبب مرض نفسي أو ما شابه بل هو ناتج عن كلماتي وتصرفاتي، في احدى الايام اخبرته اني اخطط للزواج من امير نبيل يجيد امتطاء الاحصنة و المبارزة ، فكان رد فعله مفاجئ لقد استمر في مشاهدة التلفاز طوال اليوم فقط ليمنعني من مشاهدة افلامي اليومية، كما انه يغضب بسهولة ، في الحقيقة انا احب اغضابه فقد لكونه سريع الارضاء فدائماً ما اخذ صحيفته و اخبئها و اتركه يبحث عنها طوال اليوم و في المساء اخبره عن مكانها فيغضب على الفور .. لا استطيع لومه فهو سريع الغضب .. و قبل ان يبدأ في إلقاء محاضرته عن عدم اخذ اشيائه اعتذر و اخبره انني لن افعلها ثانياً فيهدئ غضبه و يعود لطيف مجدداً.

في يوم صيفي شديد الحرارة جلست في مدخل المنزل انتظر عودة رايفين بلهفة لقد تأخر كثيراً...
ذهبت لاحضار كأس من الماء البارد ثم عدت لمكاني بجوار صندوق الأحذية و بعد عدة دقائق سمعت صوت السيارة قادم من الخارج قلت بسعادة : لقد عاد رايفين
انتظرت إلى أن فتح باب المنزل و قبل دخوله قفزت باتجاهه قال متعجباً من تصرفي: ما الأمر؟
ابتسمت و اجبته : أنه شيء مذهل
" ما هو؟ "
امسكت بيده و وضعتها على بطني و قلت بحماس : انظر .. انظر يوجد طفل في داخلي
" مستحيل .. لا اكاد اصدق .. انتِ تملكِ طفل"
ضممته بسعادة و قلت : بل نحن نملك طفل

مرآتي هي عيناكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن