الفصل الثامن: الصدمة والقرار

42 8 2
                                    

في تلك الليلة الباردة، حينما بدأت النجوم تتلألأ في السماء كأنها تراقب عن كثب ما يحدث على الأرض، كانت نمارق في غرفتها تتأمل في وجهها المنعكس على المرآة. مشاعر مختلطة اجتاحتها بين لحظة وأخرى؛ خليط من الصدمة والغضب والحزن المتجذر. تلك الحقائق المريرة التي انكشفت فجأة أمام عينيها، لم تترك لها مجالاً للشك. سامي، الرجل الذي أحبته بعمق، كان هو نفس الشخص الذي دمر حياتها.

كان الصراع داخلها كعاصفة هوجاء، لا تهدأ ولا تترك مجالًا للتفكير. كيف يمكن لقلبها أن ينخدع بهذا الشكل؟ كيف يمكن للحب أن يتلون بألوان الخيانة والألم؟ تساءلت مرارًا وهي تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا، تحاول أن تجد منفذًا لأفكارها المضطربة.

بعد ساعات من التفكير العميق، اتخذت نمارق قرارًا نهائيًا. كانت تعرف أن البقاء مع سامي لن يجلب لها سوى المزيد من الألم والمعاناة. قررت أن تنهي هذا الفصل من حياتها. جمعت ما تبقى من شجاعتها وواجهت سامي،  وهي تشعر بثقل الحقيقة التي تحملهما. قالت له بصوت متهدج: "لقد انتهى كل شيء بيننا. سأترك هذه المدينة ولن أنظر إلى الوراء."

كان سامي مذهولاً بهذا القرار المفاجئ. حاول أن يمنعها، قائلاً بصوت مفعم بالألم والندم: "نمارق، لا ترحلي. أنا أحبك. أعلم أنني أخطأت، لكنني لا أستطيع العيش بدونك. دعينا نحاول من جديد، أعطني فرصة لأصلح ما أفسدته." لكن كلمات سامي لم تعد تجد صدى في قلب نمارق. كانت قد اتخذت قرارها ولا مجال للتراجع.

في اليوم التالي، وبينما كانت تجهز حقيبتها، زارتها صديقتها المقربة ليلى. بعيون ملؤها القلق، سألتها: "نمارق، هل أنت متأكدة من قرارك؟ ماذا ستفعلين الآن؟"

أجابت نمارق بحزم: "نعم، ليلى. لا أستطيع البقاء هنا بعد الآن. كل شيء في هذه المدينة يذكرني بالألم والخيانة. سأعود إلى الريف، حيث أستطيع أن أبدأ من جديد، أن أجد السلام مع نفسي."

تبادلت نمارق وليلى نظرات مليئة بالعواطف المتباينة، واحتضنتها ليلى بقوة، محاولة أن تنقل لها بعضًا من قوتها وأملها في المستقبل. بعد الوداع، شعرت نمارق بمزيج من الراحة والتوتر وهي تغادر شقتها، متجهة إلى محطة القطار.

كانت الرحلة إلى الريف طويلة وشاقة، لكن كل ميل قطعته كان يمحو جزءًا من الألم الذي يعتصر قلبها ويحل مكانه ألم آخر. عندما وصلت إلى وجهتها، شعرت كأن الزمن عاد بها إلى الوراء. كان كل ركن في هذه القرية يحمل ذكرى، كل شارع يحكي قصة. توجهت مباشرة إلى المقبرة، حيث دفن جزء من روحها مع زوجها وابنها.

وقفت أمام القبرين، والدموع تنهمر على وجنتيها مثل نهر لا ينضب. مدت يديها المرتجفتين لتلامس الأرض الباردة، تمتمت بصوت خافت: "أين أنتما الآن؟ هل تسمعانني؟ لقد عدت لأبحث عن السلام في ذكرياتكما."

شعرت نمارق بهدوء يلفها، وكأن روح زوجها وابنها تحتضنها من بعيد. جلست هناك لساعات، تتحدث معهما وكأنهما يردان عليها بصوت الرياح العابر. كانت تلك اللحظات بمثابة طوق نجاة لها، أعاد لها توازنها المفقود.

في خضم هذا السكون، أدركت نمارق أن السلام الداخلي لا يأتي من الهروب، بل من مواجهة الحقيقة والقبول بها. كانت هذه اللحظة هي نقطة التحول في حياتها. قررت أن تعيش بشجاعة، أن تكون وفية لنفسها ولذكرياتها، وأن تبدأ من جديد بقلب أقوى وروح أصفى.

غادرت المقبرة وهي تحمل في قلبها عزيمة جديدة، وبدأت تكتب فصلاً جديدًا من حياتها، فصلاً يتسم بالشجاعة والحرية، حيث تكون هي الكاتبة والمخرجة لأحداثه.

عندما عادت نمارق إلى الريف، كانت الهواء النقي والمناظر الطبيعية الخلابة تستقبلها بذراعين مفتوحتين. كانت تشعر بأنها في المكان الذي تنتمي إليه، حيث تستعيد هدوءها وسلامها الداخلي. وفي أحد الأيام، بينما كانت تتجول في القرية، صادفت نمارق صديقتها الوفية، سارة.
عندما التقت نمارق بصديقتها الوفية، سارة، في الريف، لم تكن تستطيع إخفاء الألم الذي حملته بداخلها. جلستا معًا في حديقة صغيرة أمام منزل نمارق الجديد، وبدأت نمارق تحكي لسارة بحزن شديد عن كيف دمر سامي حياتها.

"سارة، لم أكن أتوقع أن يحدث هذا أبدًا،" بدأت نمارق بصوت هادئ ومكسور. "سامي، الذي كنت أحبه، كان هو نفسه الذي خانني ودمر كل شيء. اكتشفت أنه كان يخدعني ويكذب عليَّ. لقد شعرت بصدمة كبيرة وألم لا يوصف عندما تبين لي الحقيقة."

سارة، التي كانت دائمًا محل دعم نمارق، استمعت بانتباه وعاطفة إلى قصة صديقتها. وكانت كلمات نمارق تنساب بينهما مع كل كلمة، كانت تشعر بالحزن العميق لما مرت به نمارق.
سارة، التي كانت دائمًا ملاذًا لنمارق في أوقات الحاجة، تركض نحوها بابتسامة واسعة على وجهها. دون تردد، تبادلتا عناقًا حارًا، وكأن كلمات لا تكفي للتعبير عن الفرحة بلقاء بعضهما البعض بعد فترة من الابتعاد. كانت هذه اللحظة مليئة بالمشاعر الصادقة للصداقة الحقيقية والدعم المتبادل.

ظل الحادثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن