الفصل الخامس: لقاء غير متوقع

43 8 2
                                    

في أحد الأيام الهادئة التي شهدت ضوء الشمس يتسلل برفق من خلال نوافذ متجر الزهور، جاء إلى المتجر رجل يحمل في عينيه لمحة من الحزن المُخفي. كان صباحًا مُشرقًا، لكنه كان يخبئ خلف إشراقه لحظات مليئة بالإثارة والتغيير.

كانت نمارق منهمكة في ترتيب باقة من الزهور المتنوعة على الطاولة الخشبية القديمة، التي كانت قد عاشت في المتجر لسنوات عديدة، تُخبر قصصًا غير مرئية لكل من يمر بجانبها. كانت تنسق الزهور بحرص، تضع زهور الأقحوان البيضاء مع أزهار اللافندر البنفسجية، وتضيف أوراق الريحان الخضراء بينهما كلمسات نهائية. كان كل عمل تقوم به يعكس اهتمامًا عميقًا، وكأن كل زهرة تتحدث لغة من الجمال الهادئ.

دخل الرجل إلى المتجر بخطوات هادئة، صوت جرس الباب الخفيف يرن بصوت ناعم ينذر بدخول شخص جديد إلى عالم نمارق الهادئ. كانت هي أول من انتبه إلى دخوله، نظرت إليه من خلف الزهور وهي ترتدي قفازات اليد التي كانت تُعطرها برائحة الزهور.

**نمارق:** “صباح الخير، مرحبًا بك في متجر الزهور. كيف يمكنني مساعدتك اليوم؟”

**سامي:** “صباح النور. أبحث عن باقة زهور لتهنئة صديق قديم، ولأني سمعت كثيرًا عن جمال زهوركم، قررت أن أتيت هنا.”

صوت سامي كان هادئًا، لكن فيه نغمة من الحنان تكشف عن قلب طيب وروح صافية. عينيه كانتا تُعبر عن تجارب حياة سريعة، ولكنها لم تفتقد للضوء والدفء.

كانت نمارق تتفحصه بفضول خفيف، تلاحظ تفاصيل دقيقة في مظهره: الحذاء الجلد الذي يبدو أنه كان جديدًا لكن بدأ يظهِر عليه علامات الاستخدام، القميص الأزرق الذي كان يُضفي لمسة من النقاء على ملامحه، والعطر الخفيف الذي كان ينم عن ذوقه الرفيع.

**نمارق:** “لمن تود أن تكون الباقة؟ هل لديك فكرة عن نوع الزهور التي تفضلها؟”

**سامي:** “أريد أن تكون باقة تعبر عن الصداقة والامتنان. أعتقد أن الزهور يجب أن تكون مليئة بالألوان وتُشعر بالفرح.”

بدأت نمارق في تحضير الباقة، تنقل الزهور من الرفوف إلى الطاولة، وهي تتحدث إلى سامي بحديث شيق يعكس شغفها بالعمل الذي تقوم به.

**نمارق:** “إن الألوان الزاهية مثل الأصفر والأحمر تُعبر عن الفرح، بينما اللافندر يعبر عن الأمل والصداقة. هل تعجبك هذه التوليفة؟”
                              
**سامي:** “نعم، تبدو رائعة. لم أكن أعلم أن للزهور هذا القدر من الرمزية. أعتقد أن هذه الباقة ستعبر عن مشاعري أفضل من الكلمات.”

كانت نمارق تعمل بمهارة، تختار الزهور بعناية وتنسقها برقة. خلال هذه اللحظات، كان بينهما نوع من الحوار الصامت؛ التبادل بين اللمسات والابتسامات التي تُبني جسرًا من التواصل بينهما.

مع كل باقة تُعدها، كانت نمارق تروي لحظات عاطفية وتجارب حياتية، تفتح قلبها بشكل غير مباشر. سامي، من جانبه، استمع باهتمام، وكأن كل كلمة تنطق بها نمارق تُعطيه لمحة عن عالمها الداخلي.

**سامي:** “ما الذي جذبك إلى العمل في متجر الزهور؟”

**نمارق:** “كنت أبحث عن مكان يمنحني السلام ويعيد إليّ الأمل. الزهور لها قدرة غريبة على شفاء الروح. أعتقد أنني كنت بحاجة إلى شيء يعيد لي جزءًا من سعادتي.”

**سامي:** “أرى أن هذا المكان يُعبر عنك بشكل عميق. هناك نوع من السحر في الزهور، وكأنها تُذكرك بجمال الحياة حتى في أصعب اللحظات.”

حين انتهت نمارق من تحضير الباقة، قدمتها لسامي بعناية. كانت الزهور مُنسقة بشكل رائع، تحوي ألوانًا زاهية وتعبيرات مُفعمة بالفرح.

**نمارق:** “ها هي الباقة التي طلبتها، آمل أن تُعجب صديقك وتُسعده.”

**سامي:** “أشكركِ جدًا. أعتقد أن هذه الباقة ستُعبر عن كل شيء لم أستطع قوله بالكلمات. هل يمكنني زيارتك هنا مرة أخرى؟”

**نمارق:** “بالتأكيد. أنا دائمًا هنا، وأرحب بك في أي وقت.”

بدأت زيارات سامي تصبح جزءًا من الروتين اليومي لنمارق. كان يأتي إلى المتجر بانتظام، يجلب معه قصصه وتجاربه، ويستمع إلى قصصها عن الزهور وحياتها الجديدة في المدينة. كانت الأحاديث بينهما تتطور تدريجيًا، تتضمن محادثات عميقة وتبادل للحكم والأفكار.

في كل زيارة، كان سامي يُحضر شيئًا صغيرًا: كتابًا ممتعًا، أو قطعة حلوى مُعدّة بأيدي خبير، أو حتى مجرد بطاقة مكتوبة بأفكار ملهمة. كان كل هدية من هذه الهدايا تُعبر عن اهتمامه وتقديره لوقتهما المشترك.
                            

**سامي:** “هل تعرفين كيف تُصبح الزهور أكثر جمالًا مع مرور الوقت؟ كل زهرة تحتاج إلى الرعاية والصبر، تمامًا مثل العلاقات الإنسانية.”

**نمارق:** “أعتقد أنك محق. الحياة أيضًا تحتاج إلى نفس الصبر، وتحتاج إلى أن نُبقي على أملنا حتى في أصعب الأوقات.”

ومع مرور الأيام، بدأت نمارق تجد في صداقتهما ملاذًا من آلام الماضي، وكان سامي يشهد كيف بدأت ابتسامتها تتجدد، وكأن كل لقاء مع سامي كان يُعيد لها بريقًا قديمًا فقدته.

كانت نمارق تدرك أن سامي لم يكن مجرد زبون عابر، بل كان نقطة تحول في حياتها. كل لحظة يقضيها في متجر الزهور كانت تعزز لديها الإحساس بالتجدد، وتُحفزها على رؤية الأمل في أبسط الأمور.

في نهاية اليوم، كانت نمارق تنظر إلى الزهور التي تزين المتجر، تتذكر تلك اللحظات التي قضتها في تحضير الباقات وتبادل الأحاديث، وتُدرك أن هذا اللقاء غير المتوقع كان بداية لفصل جديد في حياتها، مليء بالأمل والشعور بالانتماء.

**سامي:** “أتمنى أن يكون لديكِ يوم جميل، نمارق. لا تنسي أن الحياة مليئة بالفرص الصغيرة التي يمكن أن تقودك إلى تغييرات كبيرة.”

**نمارق:** “شكرًا، سامي. أعدك بأنني سأحتفظ بهذه النصيحة في قلبي. أتطلع لرؤيتك مرة أخرى قريبًا.”

بفضل سامي، بدأت نمارق تُدرك أن اللقاءات غير المتوقعة يمكن أن تكون المفتاح لبداية جديدة، وأن كل شخص يدخل حياتنا يحمل معه فرصة للتجدد والتغيير.
 

ظل الحادثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن