الفصل الثامن

131 13 1
                                    

طرق عز الدين على باب غرفة سيف وعندما لم يرد عليه دخل إليه وجده جالسًا وغارقًا في التفكير لدرجة أنه لم يشعر بدخوله عليه فقال له:
ـ لماذا يا سيف تحدثت مع والدك بتلك الطريقة؟
ـ ولماذا أنت أخبرته بكل شيء؟
ـ أنا لم أخبره بشيء؛ فقبل قدومك اتصل عبد المجيد باشا بأبيك وتحدث معه وأخذ يشكو له من تواجد دانية بالقرية وأنها تبدو خطر علينا، وقال له أنه لم يكن هناك داعٍ لكل تلك التمثيلية بأن دانية قد أتت من أجل مشكلة بالمزرعة، وبالطبع ثار والدك عليه وسأله عن أية تمثيلية يتحدث، فقال له أنه كان يجب أن يصارح الجميع من البداية بأن وجود دانية هنا كان لسببًا آخر، وأن الغرض الوحيد من وجودها هنا أنك تحبها وقد أشاع البعض بالفعل أنها خطيبتك
ـ ليس هناك غيره؛ فهد هو من أشعل الدنيا كلها، أنا لا أفهم ماذا يريد مني هل أترك له البلدة كلها ليستريح؟!
ـ فهد ليس شخص سهل، هو يضعك في رأسه ويريد أذيتك وأنت بكل بساطة أعطيته الفرصة
ـ أنا!!
ـ بلى.. عندما لم تلتزم بما أخبرتك به، لقد اصطحبتها معك هنا وهناك ولفت نظر الناس إليها، وأنت تعرف جيدًا كم يخشون وجود الغرباء بينهم
ـ ليس هذا ما يخشونه؛ فهم يخشون أن خير القرية يذهب لغيرنا
ـ وهذا حقهم يا سيف
ـ ليس غريب عليك فأنت تفكر مثلهم
ـ أنا لا أفكر مثل أحد فأنا أفكر بالمنطق.. هيا نفكر معًا، تلك القرية منذ أن تم اكتشافها على يد جدك الكبير وصديقه ورأوا ما بها من خيرات كثيرة من لآلىء وغيره؛ كان كل ما يخشوه وقتها، أن تطأ قدمًا غريبة هذه البلدة وتنهال من خيرها بطمع دون وعي فاهتدى وقتها هو وصديقه لأن يخفوا تلك القرية عن أعين الناس، لذلك قاموا بعزلها عن الدنيا كلها
ـ كل ذلك أعلمه جيدًا، ولكن ألا ترى معي أن تلك أنانية منهم؛ أن يستمتعوا بكل هذا الخير وحدهم!
ـ هي تبدو لك أنانية ولكني أراها شيئًا آخر، أراها أنها كانت الوسيلة الوحيدة لعدم تدنيس البلدة من بني الإنسان الذي يعشق النقود فقط، ويغلب عليه الطمع عن أية صفة أخرى
ـ حسنًا تلك ليست مشكلتي.. أنا مشكلتي هي أنني أعشق دانية ووالدك لن يرضى أن أتزوجها وأعيش معها في القاهرة، ولن يرضى أيضًا أن تعيش معي هي هنا؛ فماذا أفعل مع تلك المعضلة؟
ـ إنها مشكلة كبيرة، وأنت بطريقة حديثك مع والدك اليوم جعلت الموضوع أصعب؛ فهو اتخذ القرار ولن يرجع فيه فأنت تعرفه جيدًا
شرد سيف بحزن وقال:
ـ تلك النهاية إذن.. ستنساني دانية وتسافر وأظل أنا أعاني غيابها، لماذا يفعل بي والدي ذلك.. لماذا؟
ـ أنت من أخطأت من البداية بحبك لها، وأنت تعرف جيدًا أن ارتباطك بها أمر مستحيل
ـ  لم يكن بيدي يا أخي؛ فلم أكن أعلم أن والدي قاسي القلب هكذا.. ظننته سيشعر بي وبحالي، ولكن كيف وهو لم يذق طعم الحب يومًا
ـ من قال لك ذلك؟ والدك أحب يومًا وجُرح قلبه، وتعهد بألا يحب مرًة أخرى، وهو يخشى أن يحدث معك مثل ما حدث معه
ـ ماذا!! .. متى حدث ذلك؟
ـ عندما أحب والدتنا
ـ أنا أعرف تلك القصة جيدًا والدك أخبرني بها من قبل، ما الجديد فيها؟
ـ القصة التي تعرفها ليست حقيقية، والجديد أن والدتنا كانت في الأصل من مدينة الإسكندرية، وليست من هنا كما تعرف أنت
ـ ماذا تقول؟!
ـ بلى هذا ما حدث، لقد كانت بداية معرفتهم هناك
ـ كيف حدث ذلك؟! أخبرني أرجوك
ـ حسنًا سأخبرك بكل شيء ولكن عدني أن يبقى ذلك الأمر سرًا بيننا، ولا يعرف والدك أنني أخبرتك به
ـ أعدك، هيا تحدث يا عز.

جدار قارون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن