ما زِلتِ غارقةً في ذنبك، وما زِلتِ تؤنبين نفسكِ على ما أنتِ فيه حتى ما طاب لك العيش، تعزمين على التوبة كل ليلة ثم تضعفين وتخورين أمام نفسك ِوالشيطان ولستِ تعرفين سبيل الخلاص، هاكِ إذن مكونا إضافيا للترياق: أن تخشي الله.
اعلمي رحمكِ الله أن خشية الله من أعظم العبوديات التي يتقرب بها العبد من ربه ففي الحديث الشريف عينان لا تمسُّهما النار وذكر «عين بكت من خشية الله».
وأول الخطوات لتحقيق هذه العبودية العظيمة استشعار مراقبة الله لك، بأن تعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك!
وأن تدرِكِي مغبة الذنوب ولا تستهيني بها، فلا تظني أبدًا أن الله قد سامحكِ إذ لم يعاقبك رغم استمراركِ على ذنبكِ وإصراركِ عليه فهو ﷻ يمهِّل ولا يهمِل، ولعل العقوبة تأخرت ثم فاجأت، وَقَلَّ من فعل ذنبًا إلا وقد قُوبل به، يقول ﷻ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾، فكم شيخًا أُهين في كِبره حتى ترحمه القلوب ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله عز وجل في شبابه.
وقد يخفي الإنسان ما لا يرضاه الله عز وجل فيظهره الله عليه ولو بعد حين وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق فيكون جوابا لكل ما أخفى من المعاصي، وذلك ليعلم الناس أن هناك من يجازي على الزلل ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار، ويا لشدة تقريع هذه الآية: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾.
ومن آثار الذنوب أنها موجبة للحسرة في الدنيا قبل الآخرة، فهي تمنع إجابة الدعاء وتحول بين العبد وبين قبول الناس له، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر».
ولنا عبرة في الأقوام السابقة ممن ذكرهم الله في القرآن، الذين لم يعرفوا قيمة الأوامر الإلهية والزواجر فأخذهم الله بذنوبهم، تارة بالخسف وتارة بالغرق وإرسال الصواعق والرياح الصرصر العاتية وغيرها.
نزل سيدنا آدم من الجنة للقمة أكلها، والتقم الحوت سيدنا يونس عليه السلام لمغادرته قومه دون إذن من الله... وهم ممن فضلهم الله على العالمين
وعلى هذا يجب على العاقل الحذر من مغبة المعاصي فإن نارها تحت الرماد، وليبادر بإطفاء ما أوقد من نيران الذنوب بالتوبة لعل الله يعفو عنه.
ومما يتحقق به خشية الله تذكر لقاء الملك عزَّ وَجلّ يوم القيامة، حين يمتثل المرؤ أمام ربه يقرأ صحيفته وفيها ما أسرَّ وأعلن، قد دُوِّن فيها كل صالح وطالح، صغيرًا كان أو كبيرًا...
كيف حالكَ أيها العاصي يومها؟ كيف وقد منَّ الله عليك ورزقك وأَمَدَّك بالصحة والبصر والسمع ثم سخَّرتَ نعمه في معصيته وانتهاك محارمه؟
وا شدة الخجل والخذلان يوم إقامة الحجة! سخر منكَ والله الشيطان... فوا أسفا لفائت لا يمكن استدراكه ولمرتهن لا يصح فكاكه ولندم لا ينقطع زمانه: ﴿أَن تَقُولَ نَفۡسٌ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرين﴾.
ومن لم يعرف الله حق المعرفة أمِن عقابه واستهتر به، أما العارفون به فهم أشد الناس خشية له، ومن خشي الرحمن فرَّ منه إليه يرجو عفوه وصفحه، ونلاحظ تكرارًا لهذا المعنى في أكثر من موضع من القرآن، يقول عزّ وجلَّ: ﴿اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ شديد العقاب العاجل والآجل لمن خالف أمره، غفور رحيم لمن تاب إليه وأطاعه...
تاب عن آدم بعد أن استغفره واعترف بذنبه، وكذلك أنجى يونس من بطن الحوت وأحاطه برحمته إذ ناجاه بألا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين.
وهذا حال المؤمن، يتقلب بين الخوف والرجاء، يعود إلى ربه مهما أذنب، وسبحانه ربنا يفرح بتوبة عبده أكثر من فرحة العبد نفسه بها ويجازيه بذلك الثواب الجزيل وهو ما نهاه عن شيء ولا أمره به إلا لصلاح دنياه وآخرته.
ختام فصلنا، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم من خشيته ما يحول به بيننا وبين معصيته ومن طاعته ما يبلغنا به جنته.
ولأن المقام لا يتسع لذكر كل شيء أخبرونا عما تعرفونه أيضا وأغفلنا ذكره، سواء عن:
عواقب الذنوب في الدنيا والآخرة
أو عقوبات الأقوام السابقة وأسبابهاوالأهم: ما يعيننا أيضًا على تحقيق الخشية؟
يتجدد لقاؤنا قريبا بإذن الله❤️
أنت تقرأ
ترياق الإباحية
Spiritualتوبة نصوح، خطواتٌ عملية، وهممٌ متجددة... الخطوة المحورية في تلقي العلاج بعد تشخيص العلة ومعرفة الداء هي التعرفُ على الدواء المناسب ولزومه. لهذا الداء الذي أبعدك عن الله عز وجل، وبدد إيمانك، وفتك بحيائك، وأضاع عليك دنياك وآخرتك.. إليكِ الترياق!