لقاءٌ مُبعثر

9 0 0
                                    

رسيل
الحلقة الرابعة{4}
بقلم: رحاب يعقوب
{مُورفــينَـــا}

"لقاءٌ مُبعثر"

ـــــــــــــــــــــــــ༺༽❀❀༼༻ـــــــــــــــــــــــــ
حتَّى رفعت رأسهَا عن الطفل ووجدت شابًّا طويلًا يقفُ أمامها وينظرُ لهَا واشمئزاز، بادلتهُ نفس النظرات حينمَا نظرت لهيأته وقالت:

_ نعم.. خير وعايز منو حضرتك؟

= أنتِ منو؟.. وليه شايلة الطفل دا ماشة بيه لبعيد؟

_ نعم؟.. على فكرة أنا استأذنت وشلته ما خطفته عشان تكلّمني بالأسلوب دا، وبعدين أنت منو؟

= أنا خاله يا أستاذة.. وجيبيه

نزعَ الطفلَ منها حتّى عادَ يبكي ويصرخُ مُجدّدًا، ابتعدَ بهِ وهُوَ يُحاولُ تهدئته، ولكنّهُ فشلَ في ذلك، رحَلت العائلةُ جميعًا عن المكان، بينما مكثت "رسيل" في مكانها لبضعِ دقائقٍ أخرى بعدَ مُغادرتهم، خَرجت من المشفى تقصدُ المنزل، كانت تتقلّبُ على فراشها الأزرق ذا الطابعِ الفراشيّ المُميّز، إنّها تُفكّر في ذلكَ الطفل، كيفَ سيكونُ حالهُ الآن؟.. هَل يا تُراهُ قد هدأ؟.. كيفَ سينامُ هذهِ الليلةَ دُونَ أمّه؟ انقلبت على جنبها الأيمن مرّةً أخرى وأغمضت عينيها تذكُر اللهَ مُحاولةً للنوم...

❁ في اليومِ التالي ❁

انشرحَتِ الأرضُ بهمساتِ الصباحِ الحَنُون وأخذتِ الشمسُ تتلو قصائدَها الملكيّةُ على جنباتِ السماء، ارتفعت في كبرياءٍ تُغذِّي كُلّ شيءٍ بنُورها، في غُرفتها أمامَ المرآةِ، تُطلُّ بفُستانٍ رماديٍ تشوبهُ نكهةٌ زرقاء جميلة، كانَ واسعًا وطويلًا بالقدرِ الذي يكفي لئلَّا يُبرزَ تفاصيلَ جسدها، شالٌ رماديٌّ تحتهُ حجابٌ أزرق، حملت حقيبتها وهبطت سريعًا على الدرج، قبّلت رأسَ أمّها وأخذت رضاءها عليها ثمّ خرجت، طوالَ الطريقِ كانت شاردة، وفِي الناحيةِ الأُخرى يوجدُ بعضُ الأشخاصِ الشاردينَ بها هِي، فورَ وصُولها باشرت بالبدءِ في عملها، إنّها دقيقةٌ في كُلّ شيءٍ ولا تُحبُّ التأخير، في أثناءِ انشغالها بمرضَاها فُوجئت بحُضورِ ذاكَ الطفلِ مُجدّدًا وبرفقتهِ تلكَ المرأةُ نفسها، وزادت حيرتها حينمَا وجدتها تطلبُ منها في عجلةٍ من أمرها:

_ عليكَ الله يا بتِّي شُوفِي الولد دا ماله، من أمس ما نَام وهُو ببكي وبيستفرغ كُل شيء نأكّله ليه، حتَّى الموية أباها.

حملتهُ منها على عجلٍ واتّجهت بهِ نحو إحدَى الغُرفِ حتّى تفحصهُ، تبيّن لها أنّه يُعانِي من اضطراباتٍ معديّةٍ وحساسيّة، نظرت لهُ بحزن، أ لهذهِ الدرجَة أثّر عليهِ فراقُ أمّه، حتَّى يمرضَ هكذا بينَ ليلةٍ وضُحاها، لاحظت سُكونه حينَما تحمله وتضمّه لحُضنها، وبينمَا هِي تُعطيهِ للمرأة أخبرتها مَمَّ يُعانيه، لاحظت عودته للبُكاءِ مُجدّدًا فورَ أن فارقَها، وهِي تتجهُ نحوَ مكتبها حتّى تصفَ لهُ روشتّةً طبيّة تحتوِي على الأدوية التِي تلزمُ حالته، وجدت المرأة تُمسك يدها وتُوقفها.. التفتت ناحيتها فباشرتها الأُخرى بالكلام:

_ عاينِي يا بتِّي، قُولي المبلغِ اللي عايزاه.

= مبلغ؟

_ مُستعدّة أدفع ليك أيَّ مبلغ أنتِ عايزاه مُقابل بس تكُونِي طبيبة ساجد الخاصّة.

عقدت حاجبيها وامتلأت نظراتها لهَا بالتعجُّب، رقّ قلبها للطفلِ الذِي لم يهدأ للحظة واستجابت لإلحاحها:

= طيّب، موافقة.

ابتسمَ وجهُ المرأةِ الحزين وراحت تُخبرها بالتفاصيل، أخذت من "رسيل" رقمها وعنوانَ منزلها ورحلت بعدَ أن طلبت منها أن تُداومَ مساءَ اليوم، جلست "رسيل" على كُرسيّ المكتبِ تُفكّر، ثمّ سحبت هاتفها لكي تتّصل بأمِّها، أخبرتها بأنّها ستعملُ طبيبةً خاصّةً ابتداءً من مساءِ اليوم...

❁ المساء ❁

وهُوَ جالسٌ على الكُرسيّ تنهّد تنهيدةً طويلةً ثمّ مسحَ وجهه المُتعب، أصواتُ العويلِ والضجّة كادت تُفجّر رأسه المُصابُ بالصُداع، صعدَ إلى غُرفتهِ المُظلمة فراحَ يرمِي بنفسهِ على السرير، وهُوَ كذلك إذ بهِ يشعرُ بأنّهُ يلمسُ شيئًا ما، انتفضَ عندما سمعَ صوتَ فتاةٍ تصرخ فأشعلَ الضوءَ سريعًا، وجدَ نفسهُ يُمسكُ بشالِ رأسٍ أزرق، إنّها هِي نفسها، وهِي تُبادله نفسَ الشُعور والنّظرات، إنّهُ هُوَ نفسه.. ذلكَ المغرور الذي قابلتهُ بالأمس ونزعَ منها الطفل، قالَ بعصبيّة:

_ أنتِ؟.. أنتِ شنو جابك هنا كمان؟

= أنا العايزة اسأل.. أنتَ شنو جابك هنا يا أستاذ؟

_ دي غُرفتي بالمُناسبة.. حركات إنّك تحاولي تلفتِي نظر دي واضحَة باللهِ ف بطّلي.

= ألفت نظر؟ ونظر منو نظر أمثالك أنت؟

_ عيب واحد فيني؟

= راجع أسلوبك بتعرف عيوب مُش عيب، بعدين أنت منو ذاتك عشان ألفت نظرك؟

تقدَّمَ نحوها خطواتٍ وهُوَ يقُول باستفزاز:

_ أنا عُثمان الفاروقي وكُلّ النّاس عارفاني، معقول أنتِ ما عارفاني؟

رمَاها بنظراتٍ خبيثةٍ فرفعت يدها وصفعته، تحسَّس مكانَ الصفعةِ بيدهِ وهُوَ يقفُ مصدومًا من ردّةِ فعلها، قالت بإنفعال:

= خُت في بالك إنّه الغالي ما بتبدّل بسلعة رخيصة، وأنا عندي شرفي أغلى منّك ومن اللي فاكرني زيّهم.

سحبت نفسًا ثمّ أردفت:

= ومُش غُرفتك دي؟ خلّيناها، أصلًا عن طريق الغلط افتكرتها غُرفة ساجد ودخلتَ أنوّمه فيها، قرف.

صوتُ نداءٍ لها يهبُّ على مسامعهما فتسرعُ مُخرجةً وهِي تحملُ "ساجدًا" على كتفها وتمسحُ على ظهرهِ برفق، وقفَ ينظرُ إلى البابِ بنظراتٍ غاضبة، يشدُّ على قبضةِ يديهِ وهُو يُردِّدُ اسمها بغضب:

_ رسيل، رسيل...

يُتّبع...

رسيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن