"ألمُ الفراق"

8 0 0
                                    

رسيل
الحلقة السابعة {7}
بقلم: رحاب يعقوب
{مُورفــينَـــا}

"ألمُ الفراق"
ـــــــــــــــــــــــــ༺༽❀❀༼༻ـــــــــــــــــــــــــ
❁ المساء❁
تقطّرتِ الساعاتُ ببطءٍ من أهدابِ عينيهِ المغرورقة بالدُموع، تراخَى جسدهُ وترامت أطرافهُ على الأرض بيأس، كأنّهُ مُخدّرٌ عن الحركة!
كأنّ جنازرًا تُكبّلُ صدرهُ فتتسرَّبُ الأنفاسُ ثقيلةً منه، لا يقوَى حتّى على النُطقِ اليوم، لقد فارقَ أمّه، وياللذاعةِ الفراق!
لم يكُن يتخيّلُ أنّ الفراقَ سيكونُ موحشًا هكذا، جُزءٌ من قلبهِ بُترَ مُجدّدًا، يشعرُ بندوبِ الطفلِ التي بداخله تنزفُ مُجدّدًا، تتهشَّمُ مجاديفهُ أكثر، هربت دمعةٌ ساخنة سمعَ إثرها صوت تحطُّمهِ من الداخل، الجميعُ حولهُ يبكون، لكنّهُ لا يرَى شخصًا سوى طيفِ أمّهِ البشوش، يسمعُ صوتها ثمّ يحلُّ صفيرًا مدويًّا مكانه بأذنه، فيغلقُ أذنه وينفضُ رأسهُ وهُو يصرخ، لم يشعر إلَّا بشخصٍ يصفعهُ ثمّ يحتضنه، فإذا بهِ ينظرُ إليهِ ليجدهُ أباه الذِي عاثَ البكاءُ في عينيهِ حُمرةً دامية، السيّد "الفاروقي" يبكي؟!
أوه لا!
كم يبدو هذا سخيفًا ومثيرًا للاشمئزاز!
استجمعَ "عُثمان" قوَّاهُ ليدفع أباهُ عنه وينهض مُنتفضًا، نظرَ إليهِ وهُو ملقيٌّ على الأرض وقد أسرعت الأيادِي نحوهُ حتّى تُساعده على القيام، نظرا لبعضهما طويلًا، أسرعَ "عُثمان" بالخروجِ من المكان، لا أحدَ يعلمُ ما سرُّ العداوةِ بينَ "عُثمان" وأبيهِ حتَّى يكره أباه بهذا القدر، حتَّى أنّه لم يتذكّرهُ خلال هذا اليومِ، مع أنّ هذا من الواجب، وجدَ "عُثمان" نفسهُ خارجَ المنزل، سقطَ على الأرضِ بعد أن شعرَ بإعياءٍ شديد وضيقٍ في أنفاسه...

على مقربةٍ من سُورِ المنزل، تقفُ "رسيل" وهِي تحملُ "ساجدًا" بينَ يديها، ترَى رجلًا طويلَ القامة مهيب الطلعة يرتدِي جُلبابًا أسودًا قادمًا باتّجاهها، فتعرفُ أنّهُ هُوَ، حيّتهُ باحترامٍ وهِي تضعُ يدَها على صدرها دلالةً على أنّها لا تُصافح؛ منعًا للإحراج، ردَّ الآخرُ التحيّة، قالت بصوتٍ وقور:

_ أحسنَ اللهُ عزاءكم يا أستاذ "الفاروقي".. البركة فيكم والدوَام لله.

= البركة في الجميع.

_ آسفة يا أستاذ لإزعاجك في الوقت دا وعارفة إنّه الوقت ما مُناسب وأنت مُنشغل بالعزاء، لكن أنا طلبت منّك الحُضور على جنب لأنّي عايزة أكلّمك بشيء مُهم يخص ساجد.

نظرَ للطفلِ نظراتًا استفاهميّة ثمّ سألها:

= ساجد؟

_ معليش، عايزة آخد ساجد معاي لو ما عندك مانع.. ماف أمان ليه في البيت دا، وقُلت أستشيرك لأنّك جدّه.

= كيف يعني ماف ليه أمان؟

_ قصَّة طويلة يا أستاذ.. وين أبوه لساجد؟

= مسجون.

زفرَ بهدوءٍ وقد شردَ بعينيهِ في ساجد وملامحه، لمُدَّةٍ ليست بالقصيرة ظلّ صامتًا، ثمّ نطقَ أخيرًا:

رسيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن