1

55 13 8
                                    

في زمانٍ غابرٍ، ليس كزماننا ، وفي أرضٍ بعيدةٍ عن أرضنا، نشبت حربٌ عظيمةٌ، حربٌ لم تُبقِ ولم تذر، أحرقت الأخضر واليابس، واستحالت رحاها تطحن البشر طحناً. كان البأس فيها شديداً، والخراب من حولها فاحشاً، اجتمع فيها الجن والإنس، البشر وأسلحتهم، قوى الظلام وقوى النور، كلٌ قد عقد لواءه واستل سيفه، وانبرى في ميدان الوغى.

تسابق الجند إلى الموت كأنهم إلى الحياة يفرون، وضربت الطبول إيذانًا ببداية المعركة الكبرى. تلاطمت السيوف فوق رؤوس الجند، فصارت كأنها رعودٌ تقصف السماء، والدماء سالت أنهارًا، تخضبت بها الأرضُ حتى لا تكاد تُعرف أكانت تربةً أم بحيرةً من دماءٍ ودموع.

كان في تلك الأرض ملوكٌ عظام، لهم بأسٌ وشدة، سطوةٌ وقوة، لكنهم ما لبثوا أن جثوا على ركبهم أمام طوفان الحرب. كانت النيران تشتعل في المدن، تتصاعد أعمدتها كأنها ألسنة لهبٍ تلتهم السماء. الحصون انهارت، والجدران تهاوت، وكل ما كان متينًا وشامخًا، صار هباءً منثورًا.

لم تكن الحرب عادلةً ولا متكافئة، فقد اختلطت فيها الأقدار، وانقسمت فيها القلوب. كان الأخ يقتل أخاه، والصديق يطعن صديقه، والروح تفتك بالروح. ولم يكن للنصر فيها نصير، ولا للهزيمة فيها قرار.

وفي غمرة هذا الخراب، نُسجت الحكايات، وارتفعت الأصوات، بعضها يرتل أناشيد الموت، وبعضها يصرخ استنجادًا بالإله، وآخرون يلعنون الأرض والسماء. لكن السماء كانت صامتةً، والأرض كانت قاسيةً، لا رحمة فيها
ولا شفقة.

تلك الحرب كانت للموت لا للحياة، لليأس لا للأمل، وكان الناس يختفون في جوفها كأنهم لم يكونوا يومًا. وفي النهاية، لما بردت السيوف وسكنت الرياح، لم يبقَ سوى رمادٍ يتطاير، وشواهد قبورٍ لا أسماء عليها، تُذَكِّرُ بمن مرَّ من هنا ثم مضى، إلى غير رجعة..

ورغم كل شيء، لم يكن من المتوقع أن يندلع الحريق في المخزن فجأة. لكن سرعان ما تبيّن أن الأمر لم يكن محض صدفة، بل كان بفعل فاعل من داخل القصر نفسه. فلا أحد خارج أسوار هذا المكان يعرف بوجود هذا المخزن السري، ولا أحد يمتلك مفاتيح تلك الممرات المغلقة إلا القلة الموثوقة. ومع ذلك، كان الخائن بينهم، شخصًا مأمون الجانب تغلغل في ثقة أهله وأسياده حتى نفذ خيانته بحذر ودهاء. لقد استغل معرفته بتفاصيل المكان وأسرار الحراسة ليضرم النار.. لكنه ما نجاة أكلت النار عبائته ليركض بها على طول الرواق ساحب معه لهيباً صعب الإخماد..

.
.
.

"والدي، أسمعني، أرجوك!" كانت تنادي بصوت مرتعش، يكاد يرتفع مع كل خطوة تتقدم بها خلفه، أملاً في أن ينتبه لها. كانت لايدا تتبع الملك بخطوات خفيفة، تسحب طرف فستانها الفاخر خلفها، في محاولة للحاق به. لكنه استمر في السير دون أن يلتفت، مشغولاً بأفكاره المثقلة بالمخاطر المحدقة بالمملكة.

The Phantom Maskحيث تعيش القصص. اكتشف الآن