الليلة التي تغير فيها كل شيء

109 22 48
                                    


                          الفصل الأول

في الليلة التي غيرت مجرى حياتها، كانت ليلى مستلقية في فراشها، غارقة في أفكارها المتشابكة. كان الليل قد أرخى سدوله على قرية "إلدور"، والسماء تزينت بنجوم لا تُحصى تلمع كبريق الأمل في عيون اليائسين. كانت القرية هادئة كما اعتادت أن تكون، لكن ليلى شعرت بقلق لا تفسير له. كان هذا القلق يتسلل إلى قلبها كأنفاس باردة، يجعل جسدها يرتعش وذهنها يسرح في احتمالات مخيفة.

قامت من سريرها بهدوء، لتخرج إلى الشرفة الخشبية الصغيرة المطلة على الغابة المجاورة. كانت الأشجار تبدو كحراس صامتين، تحيط بالقرية وكأنها تراقبها منذ الأزل. وقفت ليلى تتأمل منظر الغابة في هذا الليل المظلم، لكن شعورها بالخطر كان يزداد شيئًا فشيئًا. كان هناك شيء غير طبيعي في الهواء، شيء يوحي بأن هذه الليلة لن تكون كسابقاتها.

داخل المنزل، كانت رائحة العشب الجاف والخشب المحترق تعبق في المكان. نظرت ليلى حولها وهي تحاول أن تستشعر سبب هذا التوتر الذي يسكن روحها. كانت تشعر بأن شيئًا ما سيحدث، وكأن نبوءة غامضة تختمر في الأفق. وبلا وعي، وجدت نفسها ترتدي عباءتها السوداء وتخرج من المنزل، كأن قدميها تقودانها إلى مصير لا مهرب منه.

سارت في الأزقة المظلمة لقرية "إلدور"، تحيط بها جدران البيوت الخشبية التي بدت كأنها تتنفس مع كل خطوة تخطوها. كانت الرياح باردة، تحرك الأغصان كأنها أيدٍ خفية تحاول منعها من المضي قدمًا. لكنها لم تتوقف، كان بداخلها شعور قوي بأن عليها الذهاب إلى الغابة، إلى المكان الذي كان دائمًا ملاذها الوحيد.

حين وصلت إلى حافة الغابة، توقفت للحظة لتلتقط أنفاسها. أمامها كانت الأشجار تلوح في الظلام، ضخمة ومرعبة، وكأنها تخفي أسرارًا قديمة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. كانت الغابة في الليل تتحول إلى كائن حي، تتنفس وتتحرك كما لو كانت تنتظر قدومها.

بينما كانت تتوغل في الغابة، بدأت تسمع أصواتًا غريبة. كان الصوت يشبه الهمس، لكنه لم يكن بشريًا. كان كأنه يأتي من أعماق الأرض، حيث تنام كائنات لا تعرف الرحمة. توقفت ليلى في مكانها، مستمعة بترقب. فجأة، شعرت بريح باردة تمر بجانبها، كأنها يد غير مرئية تلامس كتفها برفق. التفتت بسرعة، لكن لم يكن هناك شيء. شعرت بالخوف يعصر قلبها، لكنها أبت أن تتراجع.

تقدمت ليلى ببطء، وكل خطوة كانت تزيد من توترها. فجأة، رأت نورًا غريبًا ينبعث من بين الأشجار. كان النور ذهبيًا، مشرقًا بطريقة غير طبيعية، لكنه لم يكن يبعث على الراحة. على العكس، كان النور يبدو وكأنه يدعوها إلى الاقتراب، لكنه في نفس الوقت يحذرها من الخطر.

اقتربت ليلى بحذر من مصدر النور، وهي تحاول تهدئة نبضات قلبها المتسارعة. وحينما وصلت إلى المكان، وجدت نفسها أمام منظر لم تكن لتصدقه لو لم تره بعينها. كان هناك كائن غريب يقف في منتصف دائرة من الضوء. كان طويل القامة، يرتدي عباءة سوداء تغطي جسده بالكامل، ووجهه مختفٍ تحت قناع فضي يعكس ضوء القمر.

نبوءة الفجر الذهبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن