الماضي ، 01:22 ظهرََا، 2014
بين مساحة كبيرة من أربعة جدران مغلفة بالأتربة والطلاء المتقشر، وطاولات متفرقة موضوعة في زوايا مختلفة، تتخذ الفتاة مجلسََا على إحدى الطاولات تنتظر...
برودة تسري بعظامها لشدة رطوبة المكان -رغم الشمس المنتصفة لكبد السماء-، يجول بصرها على الأجساد الضخمة التي تتحرك في المكان بعملية تامة، وتقاسيم وجوههم المكفهرة، تبحث بمقلتيها عن قامةٍ لكهلٍ قد طال ترقبها وصوله، حتى بان لها بخطواته المتمهلة والضعيفة واتخذ من إزائها مقعدََا .-مرحبََا أبي.
نبست بها الفتاة الجالسة على الكرسي المقابل لوالدها، والذي كان مُطأطِيء رأسه خجلََا أم خذلانََا... لا تعلم، بقيت تحدق فيه متأملةََ رفعه لرأسه والنظر في عينيها، لربما استطاعت معرفة مصدر هذا النُكسان المُحتل له، هل هو خَجِل من فعلته، أم يشعر بتقصيره وخذلانه لِحَقِها، هي لا تهتم لكلا الأمرين فقط تريد التحدث معه،
-أبي، لما لا تنظر لي؟
لم تك ردة فعل سوى انحناء ظهره أكثر مما هو عليه، فهو رجل بآخِر عقده الخامس ولا يقوى على المشي فما بالك الآن وهو في هذه الحالة!
أعادت سؤالها مرة أخرى ولكن بنبرة أكثر انزعاجََا وألمََا،
-أبي، إني أحدثك لما لا ترفع رأسك!استجاب والدها وأخيرََا لصوتها، رفع رأسه وحدق بها،
-أجل صغيرتي.أدركت كم أن الأمر يؤثر عليه وبقوة، فعيناه المرحة وابتسامته التي لم تفارقه أبدََا لا أثر لهما، أين آلت به الحال، أين والدها الذي لطالما كان قويََا، هل كان طيلة حياته يختلق ويتصنع القوة فقط ليجعل من نفسه المثال الأجود في حياة زوجته وابنته،
-لما تُحَمِّل نفسك ما لن تقدر على مُجالدتهِ.
تلك الجملة كانت الحد الفاصل ما بين تماسكه لرباطة جأشه وفقدانها ،فعند نبسها بها اغرورقت عيناه وهطلت دموعه، هل يجب عليه أن يشعر بالراحة الآن وقد ترك العنان لتعبه ان يخبو ويتلاشى، لا لن يكون قادرََا ففعلته لاتغتفر بحق الإنسانية، ولكن بحق نفسه فهي العدالة لها.
تكلم وهو يرتجف، حركة يديه الشديدة زادت من تخبطه وعلو صوته، حتى كاد أن يصرخ بها.
-وهل أفعل...
انتِ تعلمين بأنّي لم أقصد ذلك صحيح، أعني الرب وحده يعلم بأنّي بريء، لم أُرد أن يصل الأمر لهذا المنوال، أقسم بذلك.كان الجُمود يتخذ من جسدها مسكنََا، لم تَكُ ردة فعل منها إلا أن دموعها رحلت من مقلتيها دون رجعة، قضمت بأسنانها جانب فمها لمنع صوت بكائها من التسرب، يجب عليها تمالك نفسها من أجل والدها؛ لذا اخذت نفس عميق لتبعث الهدوء لدواخلها ، ثم أقتربت من والدها مُربتةََ على كفه،
أنت تقرأ
طَيف
Romanceعِندما يَأتي الأَمرُ لِمَن تُحِب، فَإنكَ تَجعَلُ مِن المُستَحيل مَعقولََا وتَجْعَل مِن الخَيال حَقيقةََ، تَجْعَلُ مِن نَفسِكَ دُميَةََ لِمَن بَغَى إيذائك، وتُصبِح أنتَ الشاةُ لِمَن أَرادَ التَضحِية بِرَجائِكَ... في النِهايةِ أَكان َلِتَضحيتَكَ عائِ...