ابتعدت عن الرف بعد أن سمعت صوتًا يصدح في الخلفية، صوتًا ليس بغريب بتاتًا!
...
-مرحبََا، هل من أحد هنا؟
-أجل كيف يمكنني مساعدتك؟
ظهرت أمامي فتاة متوسطة الطول بشعر كستنائي طويل يصل لآخر ظهرها، ما أن التفتت جرّاء صوتي المنبه لها حتى بانت عيناها الرمادية المختلطة باللون الأزرق الصافي كالسماء بعد هطول امطارها.
توسعت عيناي لرؤيتها، فتلك التي تقف أمام الطاولة وتطرق بأظفارها منتظرةََ من يجيب، تكون صديقتي التي مضى على لِقائها الكثير.
في المقابل استطعت رؤية الحماسة تكسو ملامحها، فهبت راكضةََ نحوي صارخةََ بإسمي، وكأنها رأت أحد معجبيها من فرقتها المفضلة.
-يا إلهي، طيف!... اشتقت لك.
-أجل يا فتاة ومن غيري!
قامت بمعانقتي حتي أحسست بعظامي التي تفرست تحت يديها، وكأنها بقوة أربعة رجال، أو أنني فقط أبالغ وما هو إلا جسدي الضعيف!
تحدثتُ بنوع من الاستفهام فما هذه الصدفة التي ستجمعنا بعد مدة من الانقطاع، ومن بين كل الأوقات لا بل جميع الأماكن هي الآن تعانقني؟.-جوانا!... على مهلك يا فتاة، وما الذي تفعلينه هنا؟
ابتعدت عني بعد أن وضعت كلتا يديها على كلٍ من كتفاي، ثم أخذت تحدق بوجهي وابتسامة عابسة تملأ وجهها ذو الملامح البريئة، صَمتُّ لوهلة انتظر ما ستتفوه به إلا أنها أعادت العناق محدثةََ إياي :
-اشتقت لكِ كثيرََا، يا رأس الفطر.
هل قالت ما سمعته؟ أحقََا نعتتني برأس الفطر ، ذلك يعني بأنها أعلنت الحرب على نفسها، وهي من ستتحمل ذلك.
لذا انهلت عليها بالضربات المتفرقة على كتفيها ووجها وبطنها، وهي بكل بلاهة تحاول صدي، أجل في أحلامك... غبية!وبعد مدة من المناوشات الودية سحبتني وهي متأبطة ذراعي، لتجلسني وتحكي لي عمَّ واجهته للآن من استغلاليين ومحتالين حتى وصلت لي، وما الذي وضعت نفسها فيه لكي تلقاني. أعلم بأنها لن تستغن عني وأني ذات أهمية حتى تبحث عن مكان وجودي... أعني ليس لها الحق لتشتكي عندما يطلق عليها مسمى صديقتي ورفيقتي.
ثم إني أدرك بأن انتقالي وعائلتي إلى 'لانوسيا' - إحدى القرى في مقاطعة ' الكانتي' في اسبانيا - كان على وجه السرعة ولم يتسنى لي توديع أصدقائي جميعهم في جامعتي القديمة. لكن قمت بتوديعها على وجه الخصوص، وايضََا قد تفهمت سبب انتقالنا؛ والذي كان لعدم قدرة والديَّ تحمل تكاليف العيش في المدينة ولم تكن جامعتي أقل تكلفة. مما دفعني لقطع مسيرتي الجامعية في سنتي الثانية بعد أن قمت مسبقًا بتأجيل عدة فصولٍ كانت خيرَ عونٍ لسير الأعوام ونهبها لِسنّي. وها أنا قاربتُ على الرابعة والعشرين ولم أنهي مسيرتي الجامعية بعد!
لم يكن بالسهل أن أقدم على هكذا قرار لكن عندما يأتي الأمر لوالدي ومساعدتهم سأفعل بكل سرور.
أنت تقرأ
طَيف
Romanceعِندما يَأتي الأَمرُ لِمَن تُحِب، فَإنكَ تَجعَلُ مِن المُستَحيل مَعقولََا وتَجْعَل مِن الخَيال حَقيقةََ، تَجْعَلُ مِن نَفسِكَ دُميَةََ لِمَن بَغَى إيذائك، وتُصبِح أنتَ الشاةُ لِمَن أَرادَ التَضحِية بِرَجائِكَ... في النِهايةِ أَكان َلِتَضحيتَكَ عائِ...