105. آثارُ الإبادةِ
-أريدُ سُؤالك شيئًا، هل أنتَ مشغولٌ الآن؟
"......؟؟"
ظلَّ بيريك يرمشُ، وقد شُلت تعابيرُ وجههِ للحظاتٍ، كأن عقلهُ يحاولُ استيعابَ ما حدثَ للتوّ. كان الكلبُ الجالسُ أمامه، وديعًا، يلهثُ بابتسامةٍ واسعةٍ وكأن شيئًا لا يُثيرُ الريبةَ. لكن بيريك لم يكن متأكدًا بعدُ.
هل تفوَّهَ هذا الكلبُ بالكلماتِ حقًّا؟
"يا للسُّخرية! يبدو أنني بلغتُ حدّ الجنونِ. لا بدَّ أن المللَ قد عبثَ بعقلي. حسنًا، لقد أضحكتني."
ضحكَ بيريك بتوترٍ وهو يربتُ على رأسهِ، مُستهزئًا بما يعتقدُ أنهُ هلوسةٌ. لكن، عندما سمعَ الصوتَ مرةً أخرى، أنتفضَ من مكانهِ واستدارَ بحذرٍ.
-أنا أتحدثُ إليك. إذا كنتَ لا تُمانع، أرجوكَ أعطني بضعَ لحظاتٍ من وقتك. همم. أنتَ رجلٌ ذو ملامحَ فريدةٍ.
ظلَّ الكلبُ يحدقُ بـ بيريك بهدوءٍ.
'هل يعقلُ أن هذا الكلبَ يسخرُ من مظهري الآن؟'
توالتِ الأسئلةُ في ذهنِ بيريك وهو يحاولُ أن يستوعبَ مصدرَ الصوتِ. كانت عيناهُ تدورانِ في الأفقِ المُحيطِ، لكن كلُّ ما رآهُ هو الأرضُ البيضاءُ المتراميةُ، تضاريسُ شاسعةٌ لا تُخفي شيئًا ولا تُنبئ بأيِّ حضورٍ.
طقطقـة!
أدركَ الكلبُ اللطيفُ ما دارَ في عيني بيريك من شكٍّ، فتراجعَ بخطى حذرةٍ ثمَّ أندفعَ فجأةً وكأنهُ أكتشفَ خطرًا. ركضَ بيريك خلفهُ بدافعٍ غريزيٍّ.
ووف! ووف!
"أنتظر! سمعتُك تتحدث! من أنتَ؟!"
ووف!
عبسَ إيان وهو يُحاولُ بصعوبةٍ إعادةَ العربةِ إلى الخلفِ، إذ تعالتِ الأصواتُ حوله، مما جعلهُ يتساءلُ عن نوعِ الكارثةِ التي قد يُواجهُها الآن. على الجانبِ الآخرِ، كان الرجلُ ذو الشعرِ الأحمرِ الناريّ يركضُ مسرعًا نحوهم، وكانت حركاتهُ العشوائيَّةُ واضحةً.
"بيريك!"
"إيان! ساعدني في الإمساكِ بهذا الكلبِ!"
"لماذا؟!"
"هذا الوغدُ، إنهُ كلبٌ يُمكنه التحدث! لكنهُ يتحدثُ بذكاءٍ غيرِ عاديٍّ!"
كان بيريك يركضُ بشكلٍ فوضويٍّ، أكثرَ تشتتًا من الكلبِ نفسه. أشارَ إيان بهدوءِ إلى روماندرو ورجالهِ بتجاهلِ الأمرِ، رافعًا حاجبيهِ بتعجُّبٍ.