الفصل الثانى

83 13 2
                                    

الفصل الثانى

نظر نحو شقتها التى وجدها مغلقة ثم عاد بنظره مرة آخرى إليها ليجد دموعها تغطى وجهها وترفع نظارتها اعلى رأسها فى مقدمة شعرها و تحاول أن تمسح سيل الدموع هذا لكن دون توقف ٠٠ ترى ما الذى حدث لغريبة الأطوار تلك كما يدعيها فمنذ آن اتت لتسكن بذلك العقار لم يسمعها تتكلم حتى ظن أنها خرساء. لكن فى الحقيقة هو لم يهتم حتى أن كانت خرساء ام لأ أفاق من شروده ثم قال
-بتعيطى ليه ؟
حاولت أخذ نفس عميق ثم قالت من بين شهاقتها
-ممكن نتكلم جوا عندى أو عندك
هز رأسه بإقتناع ثم فتح باب شقته ودعاها للدخول فنهضت عن الدرج ثم دلفت نحو الداخل وجلسا بأقرب مكان فنظر لها ليحثها على الحديث فقالت هى
-اخويا اتقبض عليه فى جريمة قتل
اضيقت عيناه بعدم فهم وردد
-اخوكى !!
ثم اكمل متابعا
-انا عمرى ما شفت انك قعدة مع حد .. مين اخوكى ده ؟
-اخويا متجوز ومش ساكن هنا .. انا عايشة هنا لوحدى بس صدقنى (أمجد) مظلوم .. (أمجد) حنين جدا وميعرفش يقتل قطة حتى
-طب اهدى .. خليكى هنا ثوانى
ثم اتجه نحو المطبخ واعد لها كوب من عصير الليمون حتى تهدء قليلا ثم عاد من الداخل وقدمه لها فنظرت له بإمتنان ثم قالت
-مليش نفس
هز رأسه نافيا ثم قال بهدوء
-لا اشربى كده عشان تعرفى تحكى بالظبط فيه ايه
اخذت منه كوب الليمون ثم ارتشفت قليلا وظلت ممسكة بالكوب ثم تحدثت
-(أمجد) شغال فى مصنع لمنتجات الألبان والأغذية .. وصاحب المصنع بعته عشان يجيب ورق مهم من مدير المصنع (أمجد) راح لاقاه مقتول بسكينة فجرى وهرب بس البواب كان شافه اخر واحد طلع عنده ولما شافه بيجرى كده طلع يشوف فيه ايه لاقى الراجل مقتول .. ده اللى اعرفه التحقيق لسه شغال
فكر قليلا ثم نظر لها بهدوء وقال
-هاخد ملف القضية وهشوفها .. بس لو حسيت انه مش برئ مش هترافع عنه
هزت رأسها إيجابا وقالت
-ماشى ..
*************************
مر ثلاثة أيام حاول (جاد) بهم الألمام بحيثيات القضية فقد كانت كل الأدلة تشير إلى أن (أمجد) هو القاتل حيث لم يجدوا أى بصمة تدل على أن احدا كان بالشقة حيث لا توجد إلا بصمات المجنى عليه والدافع من القتل هو السرقة ولكن مع ذلك لم يجدوا المسروقات فى منزله فشخص كما صورته زوجته  بشهادتها عاد إلى المنزل خائفا فكيف خبئ النقود فى مكان آخر ..
أخذ نفس عميق من ثم اغلق ملف القضية ونزع تلك النظارة من على عينيه وهو يحاول أن يفكر فى دليل ما يدفعه لإثبات برائته فبالفعل هو يصدق أن ذلك الرجل برئ ..
********************
وقفت أمام الشقة الخاصة بوالدة زوجة أخيها صحيح أن زوجة أخيها تخلت عنه وصدقت بكل سهولة أن شقيقها مجرم قاتل ولكن هى تلتمس لها العذر فبالتأكيد ما حدث سبب لها صدمة جعلها لا تستطيع أن تحسن التصرف أو تتاخذ القرار الصائب ابتلعت ريقها ثم طرقت باب المنزل لتجد بعد ثوان والدة زوجة اخيها تفتح الباب التى عندما رأتها زمت شفتاها بعدم رضا وضيق ملحوظ وقالت
-عايزة ايه وايه اللى جابك ؟
-لو سمحت يا طنط عاوزة اكلم (هالة)
لتجيب الآخرى بغضب واضح
-بقلك ايه يا بنتى انا بنتى مش هترجع لبيت قتال القتلة ده تانى وهطلقها منه واجوزها اللى احسن منه
شعرت الفتاة بضيق من حديث تلك السيدة إلى متى ستظل تلتمس العذر للآخرين ولا احد يقدر ما تمر به ولكن استمعت (هالة) لصوت والداتها المرتفع فخرجت لتجد شقيقة زوجها أمام باب الشقة فاتجهت نحوها وهى تقول
-عاوزة ايه يا (زينة) ؟!
-هتكلم معاكى شوية بس
همت والداتها لتغلق الباب فى وجهها وهى تقول
-قولتلك مفيش كلام يتقال
لتمسك (هالة) الباب قبل أن تغلقه والداتها وتقول
-اتفضلى يا (زينة)
لم يعجبها والدتها ذلك ولكن تركت ابنتها تفعل ما يحلو لها ودلفت نحو الداخل لتدخل (زينة) نحو الداخل وجلست مع (هالة) فى اقرب مكان ثم قالت
-انا مش بلومك يا (هالة)  .. يمكن لو كنت مكانك كنت فكرت فى كده بس إنتى عارفة (أمجد) كويس عمره ما دخل فى بيته فلوس حرام وعمره ما عمل فيكى حاجة وحشة بالعكس ده نفسه حتى يربى (معتز) ابنكوا احسن تربية
صمتت (هالة) ولم تستطع أن تعارض كلامها فكل ما قالته حقيقة فتابعت (زينة)
-هو بيحبك اوى يا (هالة) انا مرضتش اقوله انك سبتى البيت ومصدقة انه قاتل بس دايما يسئل عليكى انتى و (معتز) .. انا بس عاوزكى تبقى جنبه لحد  القضية ما تخلص ٠٠ ويا ستى لو ثبت انه القاتل فعلا محدش هيقدر يلومك
بكت (هالة) بشدة ثم قالت
-وانا يعنى اللى مبحبوش يا (زينة) بس مش عارفة اتصرف وماما نازلة زن فوق دماغى انى ارفع قضية طلاق عليه وانا مش عارفة اتصرف
-اوعى تسمعى كلامها لو (أمجد) طلع برئ وإن شاء الله هيطلع مش هيسامحك .. لو ثبت انه القاتل فعلا محدش هيلومك اصبرى بس وارجوكى زوريه والمحامى هيطلب شهادتك مش بقولك اكدبى .. بس قولى الحقيقة قولى ان (أمجد) اخلاقه كويسة زى مانتى عارفة
اخذت (هالة) نفس عميق ثم هزت رأسها إيجابا ومسحت دموعها ثم قالت
-(معتز) نايم انا مش منعاه منك
ابتسمت (زينة) وربتت على يدها بحنان ثم نهضت لتنصرف فمازال أمامها الكثير ..
********************
جلس بمكتب المأمور مع صديقه وهو يظهر عليه معالم الحزن والضيق ولا يعرف فيما يتحدث لينظر له صديقه ببعض التشجيع وهو يقول
-ايه يا بنى هتفضل مبلم كده .. بكرة يتثبت برائتك محتاجين وقت بس
اخذ (أمجد) نفس عميق ثم قال
-مش عارف اصدق اللى حصل يا (إيهاب) .. انا لما شوفته جريت مكنتش عارف اروح فين حتى مرجعتش المصنع روحت البيت عارف انى غلطان وبغبائى ثبتها عليا اكتر بس المنظر وعيونه مقدرتش اشوف كده جريت والبواب كان شافنى وبلغ
ربت (إيهاب) على قدمه بحنو ثم قال
-المحامى إللى أختك جابته شكله شاطر
-مش عارف .. بس هى هتجيب اتعابه منين هى كمان (زينة) دى مجنونة
-انت اخوها الوحيد يا (أمجد) وانا هسئل لو فى محامين احسن منه هقومهولك
صمت (أمجد) ولم يتحدث وحاول تغير مجرى الحديث فهو لا يريد أن يكلف المقربين منهم ما لا يتحملوه ليسئله
-(هالة) و (معتز) كويسين يا (إيهاب) ؟ كل ما اسئل (زينة) عليهم بحسها بتتهرب اوعى يكون حصلهم حاجة
زفر (إيهاب) بضيق فلا يعلم ايقول له انها تركت له المنزل أم لا ٠٠ ليسئله (أمجد) مرة آخرى بقلق
-فى ايه يا (إيهاب) رد
-كويسين متقلقش
-اصلها مجتش
-معرفش بقى يا (أمجد) بس متقلقش هما كويسين اتلاقيها بس مش بتحب دخلة الاقسام ..
ثم نهض من مقعده وقال
-انا همشى بقى لو محتاج اى حاجة قولى
-شكرا .. شكرا يا (إيهاب)
قالها وهو مازال يفكر فى زوجته وابنه هل هما حقا بخير ام اصابهم مكروه ..
***********************
فى المساء كان يقف (جاد) بشرفة منزله وهو يفكر فى (مايا) لقد اشتاق لها حقا وقرر أن يتصل بها ليتحدث معها ولكنه لمح (زينة) تدلف نحو العقار وهى لا تستطيع السير بصورة صحيحة وكأنها مجهدة او ليس لديها اى قدرة على الحركة حتى وجدها فجاءة سقطت أمام العمارة فاسرع ليتجه نحو اسفل البناية .. وفى غضون ثوانى كان قد وصل وجد حارس العقار وزوجته يحاولون أن يحملوها فاقترب منهم (جاد) وحملها ثم طلب من حارس العقار ان يطلب طبيب على وجه السرعة فاسرع حارس العقار نحو الهاتف بينما صعدت زوجة الحارس معه لتساعده واخذت مفتاح شقة (زينة) من حقيبتها وفتحت له بمفتاح الشقة فبحث (جاد) عن غرفتها ووضعها على فراشها من ثم حاول إيفاقتها وطلب من زوجة الحارس أن تحضر لها ماء فاسرعت واحضرت كوب من الماء ووضع (جاد) يده خلف رأسها وجعلها ترتشف القليل فنظرت له بوهن ورفضت ان تكمل باقى الكوب ..
وفى غضون نصف ساعة كان قد وصل الطبيب وفحصها واكد لهم أن ذلك هبوط بسبب قلة الطعام وان عليها أن تتناول طعامها وترتاح قليلا .. خرج الطبيب ثم طلب (جاد) من مطعم بعض الأطعمة وطلب من زوجة الحارس ان تبقى معها الليلة عندما وجد انها تعيش بمفردها ولا احد معها بالمنزل ليعتنى بها ثم نظر لها وهو يقرب مقعده بجوار فراشها
--حمد الله ع السلامة
هزت رأسها بوهن ثم قالت بضعف
-ا.. انا مش عاوزة اكل
-نعم !!
قالها (جاد) وهو لا يصدق ما يسمعه منها لتجيبه هى
-ا.. انا مليش .. ن.. نفس
-تعرفى تتلهى
ابتسمت بضعف ليتابع هو
-احنا جايبين الاكل ده لينا اصلا مش كده يا ام (صلاح)
ابتسمت زوجة حارس العقار ليتابع مرة آخرى بجدية
-بصى بقى انا مقدر الحالة النفسية اللى انتى فيها وان اللى حصل لاخوكى مش شوية بس لو جرالك حاجة محدش هيهتم باخوكى وانتى عارفة كده كويس
لم تستطع النظر له لحديثه الجاف هذا ليتابع هو
-عارف كلامى قاسى عليكى .. بس دى الحقيقة اللى شايفها قدام عينك .. مرات اخوكى وسابته تقريبا وانتى وهو ملكوش إلا بعض فلو جرالك حاجة .. اخوكى هيضيع
هزت رأسها موافقة على حديثه ليتابع هو لتغيير الحديث
-انتى ليه مكنتيش عايشة معاهم ؟
-ده بيت بابا وماما الله يرحمهم وانا مكنتش هرتاح غير فى بيتى وهو ومراته ليهم خصوصية برده لا كنت هرتاح ولا هى هترتاح فكده احسن
هز رأسه موافقا إياها ثم سئلها مرة اخرى
-انتى بتشتغلى يا (زينة) ؟
هزت رأسها إيجابا ثم قالت
-صحفية ع ادى فى صفحة الحوادث
حينها قد دق منزل الباب فقد وصل الطعام فنهضت زوجة حارس العقار كى تجهز لهم الطعام ليجيب لها
-واضح ان كل الستات اللى اعرفهم صحفيات
ابتسمت بمرارة ثم قالت
-عشان خطيبتك مش كده ؟
اضيقت عيناه بعدم فهم
-تعرفيها ؟!
هزت رأسها إيجابا ثم قالت
-طبعا .. شغالة معايا فى نفس الجريدة (مايا الخولى) ارق بنت واجمل بنت ممكن تشوفها بعينك
ابتسم لها وهز رأسه موافقا لتشيح هى وجهها بعيدا لتأتى زوجة الحارس بالطعام ويطلب منها (جاد) ان تجلس لتتناول معهم الطعام فتجلس بعد اصراره بينما كانت تتناول (زينة) طعامها بضعف فلاحظ هو ذلك وشعر بالشفقة عليها ولكن ليس بيده شئ ليفعله ..
********************
فى ظهيرة اليوم التالى ..
كانت (زينة) بالجريدة تعمل بالجريدة بداخل مكتبها المشترك بينها وبين زملائها حتى اقتربت منها فتاة وجلست بجوارها فانتبهت (زينة) لها فتركت ما تكتبه وسئلتها
-خير يا (بسنت) ؟!
-انتى عاملة ايه دلوقتى ؟
-الحمد لله
-مفيش أخبار عن (أمجد) ؟
اخذت (زينة) نفس عميق ثم قالت بألم
-مفيش جديد يا (بسنت) بزورو ان سمحوا .. وميعاد الجلسة اول الشهر وهنحاول نأجل الحكم ان المسروقات مش بحوذته وبضمان سمعته فى شغله وأنه ملوش عدواة مع المدير اصلا .. هو اصلا مفيش دليل قوى غير عدم تبليغه للأسف وشهادة البواب
ربتت (بسنت) على كتفاها ثم قالت
-إن شاء الله خير .. وعاملة ايه مع (جاد)
نظرت لها (زينة) بلوم شديد فابتلعت (بسنت) ريقها ثم قالت
-انا مش قصدى وانتى عارفة .. بس دى فرصة انتى بتحبيه من زمان يا (زينة) و ..
-مش وقته مش وقته يا (بسنت) ارجوكى .. انا ورايا شغل وحطى فى دماغك كويس قبل موضوع اخويا (جاد) خاطب وبيحب خطيبته وانا لا يمكن ابوظ العلاقة اللى بينهم .. وبصراحة هو و (مايا) لايقين ع بعض .. انا منفعلوش اصلا ومش فى باله .. وياريت نقفل الحوار ده
-انا متأكدة انه هيحبك بس ..
قاطعتها (زينة) قائلة
-تعرفى تسكتى .. ورايا مقالة بكتبها ..
انتهت من عملها فقررت ان تعود لمنزلها .. خرجت خارج الجريدة لم تنتبه لذلك الواقف أمامها الذى كانت عيناه على بوابة الجريدة منتظر خروج خطيبته أمام سيارته كما اتفق معها ليتناول معها طعام الغداء لكنه لمحها تقف وتنتظر سيارة آجرة ليبتسم هو ثم توجه نحوها ليقف أمامها وقال
-بقيت اشوفك كتير من ساعة القضية
عندما استمعت صوته علمت انه هو فلم تنظر إليه لتبتسم ابتسامة باردة ثم تقول
-احنا ع طول بنشوف بعض يا أستاذ (جاد) ..احنا جيران اصلا
-بس محدش كان بياخد منك لا حق ولا باطل .. ده انا كنت فاكرك خارسة يا شيخة
رفعت احدى حاجبيها من وقاحته ثم نظرت له بغضب ورددت بضيق ملحوظ
-خارسة !! ..عموما انا مش متعودة اتكلم مع كل من هب ودب
شعر بضيقها من نبرتها ونظرتها له فقال
-انا مقصدش اضايقك .. بس انتى حقيقى غريبة جدا .. منطوية جدا
هزت رأسها إيجابا ثم قالت بهدوء
-تعبت من قربى للناس .. مش بحب أقرب من حد لان مفيش حاجة بتفضل .. بابا وماما الله يرحمهم واخويا مش عارفة ايه مصيره كل لما يبقى فى حد قريب منا كل لما بيحصله حاجة بنزعل وبنكتئب .. البعد عن الناس راحة انا عارفة فيهم الحلو وفيهم الوحش .. بس الوحش ادينا متجنبينه والحلو خايفين نزعل عليه
-ليه التشاؤم ده كله
هزت كتفاها بلا مبالاة ثم قالت
-من كتر الحوادث والقرف اللى حواليا .. متشغلش بالك .. عن اذنك
همت لترحل فحزن على مشاعرها  تلك ولم ينتبه بتصرفاته حيث وجد نفسه يمسك يدها مانعا إياها من الرحيل فى حين كانت (مايا) تقف عند البوابة تتابع ذلك المشهد منذ البداية ونظراته المحتضنة تلك الفتاة التى تقف أمامه ..

نوفيلا حفيد على بابا بقلم علا السعدني كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن