كوبُ دِماء.

45 10 28
                                    

أصواتٌ تزاحمت عند بوابة مسمعي طارقين بعشوائيةٍ محاولين إيقاظي، تكّاتُ الساعة، حباتُ الأمطار التي لم تتوقف عن الهطول منذُ ليلة البارحة، صريرُ الباب الذي يُصدر عن دخول أحد الزبائن، و الرياحُ التي تسلل عنوةٍ مختبئةٌ بين خُصلاتِ شعري، رائحة البُن المحمص فعلت ما لم يتمكنوا من فعله، داهمت قلبي، لأسمح لبُنِ عيناي اللقاء بضالتهُ..

كوبٌ أبيضُ اللون، كبير الحجم، مُمتلئٌ إلى حد الطوفان، يعلوه رسومٌ لأزهارٌ مُلونةٌ صغيرة، ممدودٌ لي بيدّه، يدّه هو..النور الذي دثَّر ظلمةُ ليلة النجاة من الموت، أم النجاة من تلك الحياة الحالكة..؟

استعدتُ توازني الذي اختل برجوعي للخلف كي لا يخترق الكوب وجهي، لا أعرف كيف لصاحب مقهىٍ أن يُقدمه بطريقةٍ عنيفةٍ كهذه، ثُم مددتُ يداي أتناوله منه، مُخاطبةٌ إياه بأستحياء..

"شكرًا جزيلاً لكَ، لقدّ أتعبتكَ معي ليلة البارحة وَ الآن تعنيت وَ أحضرت لي القهوة"

أبتسم بسخرية، مُمسكًا بطرفِ جيب بنطاله ناظرًا للأسفل يُجيب على كلامي..

"لا عليكِ، ستقومين برد الدين بعد أن تنتهين من شُرب قهوتكِ"

ناظرته بأستغرابٍ وَ تساؤلٌ وضح على ملامحي..

"إذًا وَ كيف سأردُ الدين؟"

أبعد الكرسي الذي يُقابلُني عن الطاولة وَ جلس عليه، يُناظرُ عيناي مباشرةٍ مُتكلمًا بحزمًا شديد..

"الم تخبريني يا برونا أنكِ تعيشين لوحدكِ في إحدى الأكواخ المهجورة؟ وَ أنكِ وحيدةٌ وَ فقدتي جميع أهلكِ في الحرب؟ الم يتعرض لكِ أحد المخمورين الليلة الماضية وَ أرادَ قتلكِ؟ كيف لي أن أترككِ تذهبين مُجددًا للمجهول؟"

كان يتكلم بشيءٍ من الغضب وَ كأنني قد طالبته بحمايتي مدى الحياة، أن هربت إليه في الأمس لا يعني أنني ضعيفةٌ وَ لا أعرف حماية نفسي، استمر بالنظرَ لي صامتٌ ينتظرُ جوابي، ارتشفت قليلاً من القهوة لعلّها تُيقظ خلايا عقلي التي لا زالت نائمة، وَ استجمعت قواي أجيبه بهدوءٍ وَ حزم..

"سيد جالَ أتفهمُ إهتمامكَ وَ حرصكَ الشديد علي لكنني، لستُ طفلةٍ وَ اعتدت البقاء بمفردي، فأنا أفعلُ هذا منذُ أعوامًا طويلة لقد فقدتُ أهلي عندما كنتُ في الخامسة عشر من عمري، لا تقلق بشأني سأكون على ما يُرام ما حدث كان محضُ صدفةٍ لا أكثر"

ضربَ بكفيه على الطاولة يُردفُ بحنقٍ رافعًا أحد حاجبيه..

"لن أسمح لكِ بالذهاب تفهمي هذا، المقهى هُنا مُمتلئٌ بالناس وَ لن يستطيع أحدٌ إيذائكِ، كما أنني أحتاج لمن يُساعدني في تقديم الطلبات للزبائن إلا ترين الفوضى خلفنا لأنني تأخرتُ بطلباتهم لأجلكِ؟ هيّا تعالي معي لنحضرها سويًا"

ندباتُ المقهىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن