"أحدنا ضبابٌ يا برونا"
بقي صدى كلامه يصدح في أذني، وضعت أصابعي أغلق سمعي حتى تتوقف موجاته عن التردد، ثم رفعت أحدّ كفيَّ نحوه، وضعته أمام وجهّه أفكر في لمس ملامحه..
لكنني تراجعت.. أنزلت يدي، وَ عدت خطوتين للخلف عند دخول الزبائن للمقهى، وقفتُ وَ أخذت أرتب بعض الأشياء التي كانت تشكل فوضى على سطح حوض الغسيل، أما هو كان يكتب طلباتهم بدفتره الخاص ثم بدأ بتجهيزها وَ عمَّ الصمتّ بيننا لساعاتٍ طويلة..
حتى غربت الشمس وَ بدأ الظلام بالحلول، رحلوا الناس تدريجيًا حتى فرغ المقهى تمامًا وَ لم يعد هنالك أي زوار.. جلست على كرسيٍ يقابل الحائط الذي تكسوه الصور المعلقة بعد أن جففت يداي من ماء غسل الصحون..
لقد تعبت اليوم كثيرًا لكنني أشعر بالراحة فقد استعطت أن أقوم بالمساعدة وَ أخيرًا بعد قضاء أسبوعٌ كعبءٍ دون فعل شيء...
أغلق الباب، وَ اطفئ بعض الأنوار ليبقى ضوءٌ مصفرٌ خافت ينير ظلمة الليل ثم أقترب ليأخذ كرسيٍ يجلس بجانبي، يتأمل الصور ذاتها كمّا أفعل، بعد دقائقٌ من الصمت ألتفت برأسه نحوي، وَ نبس بصوتٍ خافت يتناسب مع هدوء الليل...
"علينا الذهاب غدًا إلى منزلكِ لجلب اشيائكِ الخاصة"
هذا يعني أنه كان بحاجةٍ لمثل عملي اليوم من قبل.. لم لا أن كنت سأتوظف هنا فلا بأس من البقاء بالمقهى، أردفت دون تردد...
"حسنًا، في الصباح سأذهب لجلبها وَ أعود لكن أريد البقاء هنا في المقهى مقابل عملي في النهار بها وَ مساعدتك"
نظرَ لي نظرةٌ جانبية بينما يبتسم بسخرية.. يردف بنبرةٍ شديدة..
"هل تظنين إنني سأترككِ تذهبين لوحدكِ؟ سنذهب سويًا فأنني أخشى لو ذهبتِ لوحدكِ أن يعاود مطاردتكِ أحدٌ من هؤلاء المخمورين، أما بشأن بقائكِ هنا لمساعدتي فلا بأس به أما في الليل لن أسمح لكِ، فأنتِ من ستبقى في تلكَ الحجرة وَ أنا سأنامُ هنا في المقهى"
ابتسمت بداخلي لطيبته وَ خوفه علي وَ متأكدة أنني مهما أخفيت ابتسامتي ستشق وجهي عند أول نظرة ستقع عليه فتغاضيت عن النظر إليه لأنبس..
"إذًا سأيقظكَ باكرًا كي نعود بسرعة قبل حلول موعد العمل، لكن لن أقبل أن تنام هنا بين هذه الطاولات بسببي أنا"
قهقه بخفة لشدة الجدة في حديثي، ثم أردف..
"أنا مستعدٌ منذ الآن، لا تقلقي بي سأُنشئ من هذه الطاولات سريرٌ مريح، أما أنتِ أبقي في الداخل كي أطمئن أن لا أحد سيستطيع الوصول إليكِ"
أنت تقرأ
ندباتُ المقهى
Horrorسيد جالَ، هل سمحت لي أن ارتشف من فنجان قهوتكَ؟ أشعر أن النوم سيُسيطر علي." "لا يا برونا، أنه مرٌّ لاذع كالخيبة التي سأجنيها في نهايتُنا، لا أريد أن ينتشر به رحيقكِ يا زهرتي كما لا تفعلين ذلك بقلبي أيضًا." ________________ موتٌ حتمّي، أم نجاةٌ مُبهمة...