الفصل الأول: السقوط من السماء إلى الأرض

59 3 0
                                    

على ضفاف الثروة والرفاهية، كانت عائلة عبد المُحسن سليم تحيا حياة مترفة كأنها تسير في نهر من الذهب. في فيلا واسعة تُطل على البحر، كان عبد العزيز ذو السبعة عشر عامًا وأخته التوأم يسرى يعيشان حياة مليئة بالحفلات الصاخبة، الهدايا الفاخرة، والرحلات المدرسية المترفة إلى الخارج. كانا يدرسان في مدرسة خاصة، متعودين على التفوق الذي يأتي بفضل الدروس الخصوصية وليس فقط الذكاء الفطري.

كانت الأم، منيرة، سيدة البيت الحصينة التي تسيطر على كل تفاصيل حياة أسرتها بابتسامة هادئة وملابس فاخرة تحمل توقيع أشهر المصممين وعناية أشهر صالونات التجميل والراحة.

لكن هذه الحياة المثالية لم تدم. في ليلة من الليالي الصيفية، كان عبد المُحسن جالسًا في مكتبه الواسع، يدخن سيجارًا بينما يتفحص الأوراق المالية لشركته. الهاتف يرن، وفي الطرف الآخر كان هناك صوت مليء بالخداع. لقد كان شريكه في العمل، يتحدث بلطف عن استثمارات جديدة، عن فرص لا تُفوّت، وأموال ستنهمر كما الأمطار. عبد المُحسن، الذي وثق فيه بلا تردد، وقع على الأوراق بدون أن ينظر إلى التفاصيل. كانت هذه بداية السقوط.

بعد أسابيع قليلة، بدأت الأمور تنكشف. صفقة مشبوهة، ديون متراكمة، وأموال تبخرت كدخان السيجار. الشركة أفلست، وعبد المُحسن لم يعد لديه شئ، قد أُحكم عليه بمستقبل قاتم لم يكن يتخيله حتى في أسوأ كوابيسه. رجل الأعمال الناجح، الذي بُنيت سمعته على ذكاءه وشبكة علاقاته الواسعة، وجد نفسه ضحية لمؤامرة تجارية محكمة. استيقظ في ذلك الصباح ليكتشف أن الشركة التي كرس لها كل عمره قد انهارت بسبب صفقة خادعة. كل شيء كان يسير بدقة نحو هاوية مالية لا مفر منها.

كانت التفاصيل القانونية جافة وقاسية. الأوراق التي وقعها بثقة تبين أنها مليئة بالثغرات القانونية التي سمحت للمحتالين بسرقة أمواله. لم تكن الصدمة وحدها ما أثقل كاهله، بل أيضًا الإحساس بالخيانة. شريط حياته الهادئ المليء بالثراء بدأ يتفكك أمام عينيه كما يتفكك الحرير تحت ضغط الزمن.

••••
"يا عبد العزيز، يا يسرى، يا منيرة..." نادى عبد المحسن بصوت متحشرج عندما عاد إلى المنزل ليعلن النبأ الذي سيغير حياتهم للأبد.

التفتت العائلة حوله في صالونهم الفخم الذي كان يفيض بالأثاث الغالي والمقتنيات الثمينة. كان الجميع مستغربين من ملامحه المتجهمة والصوت الثقيل الذي خرج من حنجرته.

"ماذا حدث، عبد المحسن؟" قالت منيرة، زوجته، وهي تقترب منه بقلق. كان وجهها يعكس سعادة الثراء التي عاشوها طويلًا، لكنه بدأ يتبدد شيئًا فشيئًا تحت سحابة من عدم اليقين.

"خسرنا كل شيء قال بصوت خافت. "كل شيء يا منيرة. الشركة، الأموال، المنزل... لن يبقى شيء."

توقف الزمن لثوانٍ، كما لو أن عقارب الساعة قد تراجعت. لم يفهموا ما قاله في البداية. كيف لرجل مثل عبد المحسن أن يخسر كل شيء؟ كان هو العمود الفقري للعائلة، مصدر الفخر والنجاح. لكن الحقيقة المرة كانت أمامهم.

بعد صمت طويل، بدأت منيرة بالبكاء، في حين أن عبد العزيز،  ظل واقفًا في ذهول. أما يسرى فقد خفَّت بريق عينيها البنيتين الواسعتين، وبدأ حاجباها الغليظان ينعكسان توترًا على وجهها الجميل.

قال عبد العزيز: "وماذا سنفعل الآن، أبي؟ أين سنعيش؟"

رد عبد المحسن بحزن: "علينا أن نبيع هذا المنزل، وننتقل إلى مكان أكثر تواضعًا. لم يعد لدينا خيار أحتاج لتستيد الفواتير!."

لم يكن من السهل على العائلة قبول هذا الواقع. كانوا يعيشون حياة الرفاهية منذ أن ولدوا، والآن يجدون أنفسهم مضطرين للانتقال إلى حي فقير، مع بيع معظم ممتلكاتهم الثمينة. كانت رحلة نقل الأغراض مملوءة بالوجع. الأثاث الذي كان يمثل ذكريات عائلة سليم تم تقليصه إلى نصف ما كان عليه، وتم حزم الباقي استعدادًا للبيع.

في ذلك اليوم، جلس عبد المحسن يتأمل الأثاث الذي اعتاد أن يعبر عن نجاحه، والآن أصبح عبئًا على كتفيه. كل قطعة كانت تحمل ذكريات، ولكن تلك الذكريات ستظل من الماضي،

كان عليه بيع الفيلا الفاخرة، السيارات، وحتى بعض المجوهرات الثمينة وخواتيم الذهب الثقيلة التي كانت منيرة تفخر بها. أصبح الرجل الذي كان يومًا ما رمزًا للنجاح يُناظر فواتير لم يكن يعلم حتى بوجودها.

. عبد العزيز ويسرى، اللذان لم يعتادا على حمل شيء ثقيل في حياتهما، وجدا أنفسهما في مواجهة مع كراتين أثقل من أحلامهما.


في الحي الجديد، كانت المنازل ضيقة والطرق ترابية. المنزل الذي اشترته العائلة كان قديمًا، مليئًا بالرطوبة، ولكنه كان ما يقدرون عليه الآن. عندما دخلت يسرى غرفتها الصغيرة، شعرت بالاختناق. لم يكن هناك شيء فاخر هنا، لا نوافذ كبيرة تطل على البحر، فقط جدران ضيقة تحاصر أحلامها...


يُتبع.





أستغفر الله العظيم واتوب إليه.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
🎀✨.











.

موازين القدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن