الفصل الخامس: صدمة غير متوقعة.

10 3 0
                                    

في صباح اليوم التالي، دخلت يسرى الفصل بتنورتها الزرقاء المزخرفة بزهور صفراء، ينساب شعرها الأسود الطويل في ذيل حصان، ليعزز من هيئتها الهادئة. جلست في مكانها المعتاد دون أن تعير أي اهتمام لنظرات الفتيات الحاقدة التي تبعتها من باب الفصل حتى مقعدها. كانت تلك النظرات تحمل مزيجًا من الغيرة والاستنكار، لكن يسرى لم تعبأ بها، فقد اعتادت على تلك الأجواء المشحونة.

أخرجت أدواتها بهدوء، ترتب أقلامها وكراساتها على الطاولة بعناية، ثم نظرت إلى المقعد الفارغ بجانبها. فكرت، **"لابد أن ذلك الوغد أدهم لن يحضر اليوم."** زفرت الهواء ببطء، وكأن عبئًا ثقيلاً قد رفع عن كاهلها. **"هذا أفضل"**، قالت في سرها، **"فأنا لا أحبذ رؤيته مجددًا بعد حادثة الأمس."**

كان الأستاذ قد تأخر عن موعد الحصة، فاستغلت يسرى الفرصة وأخرجت هاتفها. أخذت تتصفح حسابها على "إنستغرام"، تقرأ التعليقات السلبية على صورها. كلما نزلت للأسفل، كانت تزداد تعجباً. **"حتى الذين كانوا يعجبون بمنشوراتي، انقلبوا علي. يبدو أن الجميع هنا يحقد عليّ"**، تنهدت، ورفعت عينيها عن الهاتف للحظة.

في تلك اللحظة، لاحظت تلويح أحدهم. رفعت رأسها، لترى محمد، بابتسامته الهادئة التي طالما كانت تشعرها ببعض الراحة وسط ضجيج الفصل. كان هذا الفتى خلال الأسبوع الفائت يقدم لها ملاحظات حول دروسها. **"كيف حالك اليوم؟"** سألها بلطف. ردت عليه بابتسامة بسيطة: **"أنا بخير، شكرًا لسؤالك."**

قال محمد بهدوء: **" ممم أدهم لن يأتي اليوم. يبدو أنه يساعد والده في العمل فهو يولي اهتماما كبيرا  للبرمجيات ."** ثم ضحك بخفوت.

رفعت يسرى حاجبيها بعدم فهم، فقال محمد : **" أوو ألا تعلمين؟ والد أدهم يعمل في هندسة الإعلانات."**.
ابتسمت له ابتسامة صغيرة، لكنها كانت تعلم جيدًا أن هذه المهنة تذكرها بالكثير من الألم. فقد تعرض والدها لعملية احتيال من إحدى تلك الصفقات اللعينة ، وترك ذلك جرحًا عميقًا في نفسها.

قاطع حديثهما دخول الأستاذ إلى الفصل، فودعها محمد وعاد إلى مقعده.وخبأت هي هاتفها، وقف الأستاذ على المنصة، وكتب اسمه على السبورة بخطٍ واضح: **"ياسين بن صادق."**.
ثم قال بابتسامة مقتضبة: **"أنا مدرسكم الجديد لمادة الفلسفة."**

كان الفصل مضطربًا قليلاً، وفجأة سمع صوت أحد الفتيان يقول بسخرية: **"أأنت صادق أم كاذب؟"**.

انفجر التلاميذ ضاحكين، منتظرين أن ينفجر الأستاذ غضبًا. لكن الأستاذ وقف ثابتًا، عبس قليلاً ثم قال ببرود: **"قف."**

موازين القدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن