في صباح اليوم التالي، استيقظت يسرى بروح مكسورة. كانت الليلة الماضية طويلة، مليئة بالتفكير والتساؤلات عن مستقبلها في هذا المكان الجديد. أخذت دشًا خفيفًا، محاولة أن تستعيد شيئًا من طاقتها المفقودة، ثم ارتدت تيشيرت بني كلون عينيها وجينز كارجو أسود. جمعت شعرها في ذيل حصان بسيط، كأنها تحاول بكل طريقة ممكنة أن تكون غير مرئية.
عندما نزلت نحو المطبخ، ألقت السلام بخفوت على والديها، بالكاد تهمس، وكأن الكلمات ثقيلة على لسانها. وجدت والدتها منهمكة في إعداد الإفطار، ووالدها جالسًا يحتسي الشاي بصمت غريب، يحمل في عينيه تعبيرًا مختلطًا بين الحزن والانكسار.
"أين ذهب عبد العزيز؟" سألت يسرى دون أن ترفع رأسها.
ردت والدتها بهدوء: "خرج قبل قليل، ناداه أصحابه."
هزت يسرى رأسها بينما إبتسمت يبدو أنه ينعم بحياة ثانوية ممتعة، كان والدها يراقبها بحذر، ثم سأل بصوت مليء بالحنان الذي يخفي وراءه ألمًا عميقًا: "هل تتعرضين للمضايقات يا عزيزتي؟"
توقفت يسرى للحظة، تشعر بثقل السؤال، لكنها ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت: "لا، لا أبدا."
لم تستطع أن تتركه يرى الضعف الذي يملأها.وتزيد همه همًّا، اعتذرت ثم غادرت المنزل بهدوء قاتل، وكأن الحياة أفرغت منها كل الألوان.دخلت يسرى الفصل، تقابلها نظرات الكراهية من تلك الفتاة الحاقدة التي أحرقها الحسد بالأمس. "أوه، ألا زلت ترتدين ثيابك الغالية، عزيزتي؟" قالت الفتاة بنبرة سخرية واضحة. "هذه الملابس لا تناسب وضعك الحالي!"، ضحكت هي وصديقاتها بصوت عالٍ، وكأنهن يستمتعن برؤية يسرى تُهان.
ولكن قبل أن ترد، قطع صوتهن صوت شاب غليظ قال بحدة: "توقفن عن التصرف كحمقاوات المتوسط!"
ارتجفت الفتيات في لحظة، وسارعن للعودة إلى مقاعدهن دون أن ينبسوا ببنت شفة. كانت يسرى تنظر في ذهول للشاب الأسمر الطويل صاحب العيون العسليةو الشعر البني الغامق الذي تدخل بهذه الحدة. كان يسير بهدوء وثقة نحو آخر طاولة في الصف الثاني. أدركت فورًا أنه أدهم، الشاب الذي يخشاه الجميع، والذي حامت حوله الكثير من الأحاديث المشبوهة.
قاطع حبل أفكارها دخول الأستاذ إلى الصف، فجلست بسرعة في مقعدها بجوار أدهم، دون أن تلتفت إليه. أخرجت أدواتها وكتابها، محاولًة تجاهله تمامًا. ولكنها شعرت بنظراته تخترقها، وكأنها هدف لعينين تبحثان في أعماقها. كان اهتمامه واضحًا، لكنه لم يكن نابعًا من شفقة، بل من شيء أعمق، شيء لم تستطع فهمه بعد.
إكتشف أدهم هوايته الجديدة، إزعاج يسرى فهو يحب رؤيتها تعبس لأنه يرك لإبتسامتها الجذابة خاصة حين تظهر غمازاتاها، ينزعج حين يرى الشبان ضحكتها العفوية أو حتى التسليكية.
مر الأسبوع الأول ببطء شديد، وكأن الوقت يتعمد أن يثقل خطواتها. كان أدهم دائمًا يجد طريقة لإزعاجها. سواء بأخذ أقلامها دون إذن أو إسقاط كتبها عمدًا على الأرض، ليجعلها تتوتر في كل لحظة أو اللعب بهاتفه وتعكير تركيزها. ولكنه في الوقت ذاته، كان يحميها من مضايقات الآخرين، وكأن هناك توازنًا غريبًا في سلوكه؛ حاميها ومزعجها في آن واحد.
في أحد الأيام، بعد أن تجاوزت المضايقات حدود الصبر، التفتت يسرى نحوه بغضب مكبوت وقالت: "توقف عن التصرف كأحمق، أريد الاستماع للدرس!"
ابتسم أدهم بسخرية، وكأنه استمتع بتهيجها، وقال بابتسامة شيطانية: "سأجعلك تدفعين ثمن مناداتي بالأحمق." ثم نهض من كرسيه فجأة، مما أثار دهشة الجميع، خاصة الأستاذ الذي اعتبر هذه الحركة تحديًا لسلطته.
"أدهم، إلى الخارج فورًا!" قال الأستاذ بغضب.
وقف أدهم هناك، دون أن يظهر أي ندم أو خجل. نظر إلى يسرى بابتسامة ماكرة، ثم غمز لها قبل أن يخرج من الصف، وكأنه كان يخطط لكل شيء منذ البداية.
حين خرج أدهم، شعرت يسرى بمزيج غريب من المشاعر. كان هناك غضب، لكن كان هناك أيضًا نوع من الفضول. ما الذي يدفعه للتصرف بهذه الطريقة؟ وماالذي يقصده بالثمن؟أهو جاد؟! الأسئلة تزدحم في رأسها، لكن الإجابات ما زالت غامضة.
هذا الصراع المستمر بينها وبين أدهم كان يجعل كل يوم في المدرسة يشبه معركة صغيرة، ولكنها كانت تعلم في داخلها أن هناك شيئًا أكبر ينتظرها....
يُتبع.
أستغفر الله العظيم واتوب إليه.
🎀✨..
أنت تقرأ
موازين القدر
Fiksi Remaja"في عالم حيث المال هو لغة العشق، كانت تعيش في قصر من الذهب. لكن القدر، الذي يحب اللعب بالموازين، قرر أن يعيد كتابتها. من بين سيارات الليموزين الفارهة إلى الحافلات المزدحمة، من بين الفساتين المصممة إلى الملابس المستعملة، هكذا كانت رحلتها من القمة إلى...