الولي الكبير

9 3 2
                                    

ذاك الزمان ومنذ أكثر من مئة عام عاش الناس حياة البساطة سعداء.. بيوتهم عربية البناء واسعة الفناء مصنوعة من الطين "التراب" ينير غرفَها ليلاً سُرج الزيت.. فلا كهرباء آنذاك..

البساتين والأشجار تحف المنازل المزدانة باحتها بأحواض الأزهار والورود البديعة والمزروعات والتي ترفدها جداولُ رقراقة بديعة دفَّاقة تُحيي النفوس وتقرُّ بها الأعين متفرعة من الأنهار الرئيسية العذبة الشديدة الجريان.. فالخير عميم والأمطار غزيرة والأرض معطاء. ينام الناس باكراً ويستيقظون على صلاة الفجر باكراً.. فلا ضجيج لسيارات ولا دخان لمعامل ولا حوادث ومصائب السير.. فالهدوء ساري والأمان عام والناس متحابين متآلفين.. بذلك الوقت حدثت أحداث قصتنا..

* * *

كان الحاج اسماعيل يذرعُ أرض الديار جيئةً وذهاباً ينتظر بفارغ الصبر قدوم مولوده الجديد.. "والحاج اسماعيل تاجر كبير صاحب دين وأخلاق فاضلة يتمتع بسيرة حميدة.. شهم كريم شجاع".

وما هي إلاَّ ساعات قليلة حتى وَلَدَت أم سليم "زوجة الحاج اسماعيل" ولادة يسيرة.

إنه ذكرٌ...

لقد حلَّ على الدنيا وليدٌ يخجل البدر بطلعته.. جماله صاعق قلَّ مثيله وندر..

فرح الحاج اسماعيل كثيراً كثيراً عندما زفُّوا له الخبر:

لقد رزقك الله بطفل ذكر.. كالقمر.. فماذا ستسميه؟.

قال: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. إن شاء الله إن اسمه محمد أمين..

* * *

نشأ الصغير السيد محمد أمين في حضن أمه وتربَّى بعطف أبيه حياةً ملؤها الدلال وكثرة الخير والنعم.. فلقد أحبَّه والده كثيراً.. حتى إنه في صباح كل يومٍ وقبل مغادرته المنزل لعمله يترك مع والدة الصغير مجيدياً كاملاً، أي ما يعادل نصف ليرة ذهبية.. قائلاً:

خذي يا أم سليم هذا المجيدي (مصروف الجيب) خرجية الصغير لهذا اليوم.. أعطه إيَّاه عندما يخرج لِلَّعب في الحي. فتتناوله وتُخبئه..

ولمَّا يحين موعد خروج الغلام البطل يَحضر لوالدته ويمدُّ يده لها بدون أي كلام فتخرج المجيدي وتضعه في يده الحُلوة الصغيرة ثم تنحني فتقبِّله وتوصيه بالحرص على نفسه لكي لا يؤذى أو يُجرح.. أو..

أما هو فينطلق من بعد نواله (الخرجية) إلى رفاقه الصغار أمثاله فيرحبون به أشدَّ الترحاب.. كيف لا وهو زعيمهم الكريم وقائدهم العبقري الذكي..

ينظر السيد محمد أمين إلى الفقراء منهم فيشعر برحمة تتدفق في قلبه عليهم.. يرى ما هم بحاجة له.. وما يتطلبونه ويشتريه لهم وآخرين يعطيهم قطعاً صغيرة نقدية.. وهكذا يصرف معظم (خرجِيَّته) اليومية هذه على رفاقه وأصدقائه.. نِعْمَ الصديق والرفيق الرحيم الكريم..

تفاسير ومعاني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن