إعدام القط شنقاً

1 1 0
                                    

جلس أحد البشوات "أثناء الحكم التركي للبلاد" بعد أن التف حوله عدد من وجوه الحُكم يستمعون إليه بإصغاء ومتعة بينما تابع حديثه قاصّاً لهم أحداث حادث جَرى معه في اليوم الماضي...

قال: يا شباب... البارحة ثارت ثائرتي وغلت براكين غضبي بشكل كبير لا يُوصف... هل تعرفون لماذا؟.

لقد وضعتُ على سطح بيتي حمامة وبتُّ أرعاها... أربِّيها لا يوماً ولا يومين، بل عدّة شهور أصعد يومياً إليها أُمتِّع ناظري بجمالها، تسلب قلبي بمشيتها عندما تتبختر يمنة ويسرة، وغدا قلبي معلَّقاً بها وللأسف الشديد فالبارحة قَدِمَ قط "ابن حرام" إلى البيت فأكلها... ولقد أمسكته بالجرم المشهود... ها... ها ها... وكان انتقامي منه رهيباً... رهيباً...

لقد أطفأ هذا الانتقام شيئاً من نار حقدي وغضبي... هل تعرفون كيف انتقمت منه؟.

ها... ها... ها "ضحك"... لقد أمسكته وربطت رأسه بحبل...

تعرفون ماذا؟. ها... ها ها... لقد نفَّذت به حكم الإعدام شنقاً إلى شجرة في البيت علَّقته بها.

هنالك ضحك الجميع وبدأوا يعلِّقون بعض التعليقات السخيفة... كان يسمع هذا الحديث السيد محمد أمين "أصلان" ويبدو بعينيه حزن وتأثُّر قوي بما يسمع...

ثم قطع حفل التهريج هذا صوته القوي قائلاً:

يا سيادة الباشا... يا سيادة الباشا... إن هذا القط الذي شنقته روحٌ... كائن حي... مخلوق فيه حياة... إحساس... يشعر... يتألم... وقد قتلتَه أنت... قتلت نفساً بعملك هذا وعن سابق إصرار وتعمُّد، أما بالنسبة لكونه قد أكل حمامتك فهذا الأمر عادي طبيعي... فهذه سنَّة الكون، وكل مربِّيي الحمام يحتاطون فيضعون حمامهم بمعزل عن وصول القطط إليه... والقط وظيفته الصيْد، صيْد الفئران والطيور التي انتهى أجلها... هذه فطرته... فما عملك هذا إلاَّ خطأ وعليك أن تتوب وتدفع كفَّارة كدليل على صدق توبتك... عندها يقبل الله توبتك ويمحو عنك ما استحققت من قصاص، وإلاَّ فأخشى عليك لا سمح الله أن تتعرَّض لما فعلت بذاك القط "فكما تدينوا تدانوا"... وما أقوله لك جدٌّ... صدِّقني...

سمع الباشا تلك الكلمات المؤثِّرة الحزينة فتأثَّر بها آنياً وأحسَّ بالخوف يتسلل لأعماقه... فازدرد ريقه وعدَّل جلسته على الكرسي ثم قال:

"أصلان" إن كان كلامك صحيحاً ولا بد... فأنا لا أُعدم شنقاً، إنما أُعْدَمُ رمياً بالرصاص، فأنا عسكري وكما تعلم فبالقانون إعدام العساكر يتمُّ بالرصاص لا شنقاً.

ردَّ الضابط السيد محمد أمين: ولكن يا حضرة الباشا القائد عدالة الله سارية في الوجودِ ويده مهيْمنةٌ على الجميع فوق الكل وحُكمه فوق كل الأحكام.

صفن القائد هنيهةً ثم انفجر بضحكةٍ قوية... ها ها ها... وقال وهو يفتِّل شواربهُ: عزيزي "أصلان" ضخَّمت الأمر كثيراً وأعطيته فوق حقّه وحجمه... ها ها ها... فهذا القط مسخَّر لنا لخدمتنا نفعل به ما نشاء وما تفضَّلت به وقلتَه يا "أصلان" لا يكون أبداً... ولن يكون... ها ها ها...

تفاسير ومعاني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن