المقتطف الرابع. "اختطاف". ♡

123 6 19
                                    

_وجودُكِ بقربي يُوقعُني في مصائب لا حصر لها.

_إنَّها حماقتُكَ، تَجتذِب الكوارث وتُسبِّبُها، لا ذنب لي.

بقدمين متسمِّرتين، أعينٍ جاحظةٍ يملؤها الرعب، وارتجافةٌ تلازم الجسد، مكثت "هَنَا" في مكانها، تراقب الكلب الثائر، تخشى التحرك لئلا يُلحق بها الأذى.

تابعها "سيف" عن بعدٍ، مفكِّرًا في حلٍ يُنجيها من شرٍ مستطر، أهداه تفكيره القصير إلى التقاط حجرٍ صغيرٍ، ضغط عليه بين أصابعه متحفِّزًا، وتقدَّم منها.

تزايد نُباح الكلب، ومعه تعاظم ارتعاشها واضطرابُ خفقاتها المجنونة، لم تلحظ "سيف" الذي بات على مقربةٍ منهما.

رمى "سيف" الكلب بالحجر فنبح بطريقةٍ تشبه الصراخ وفرَّ هاربًا بعدما نال من جسده.

رفعت عينيها نحو "سيف" الذي قال مستهزئًا _بابتسامة باردة_ ليثير غيظها:

_حتى الكلب خاف منك، تقريبًا جاله صَرَع.

التهبت حدقتيها بألسنةٍ نيران غضبها، لكنها لم تُبده في صوتها حينما تغلَّبت على خوفها وردت له بضاعته ساخرة:

_وإنت الصادق عرف مقامي فاحترمني، الدور والباقي عليك.

اكفهرت ملامحه، وتضرجت بحمرةٍ غاضبة، افترقت شفتاه في نيةٍ للتشاجر معها بالكلام، إلا أنه عاد يطبقهما بعينين متسعتين تسيلان رعبًا ووجلًا.

استعجبت "هَنَا" حالته، وأوشكت على سؤاله بحيرةٍ فأتاها الجوابُ مثيرًا للخوف العميق، فعلى بعد ثلاثة أمتارٍ منهما يجري _نحوهما ما يزيدُ عن عشرين كلبًا ضخام البنية...

تمتمت "هَنَا" بنبرةٍ شديدة الحمق:

_هو الكلب راح اشتكانا ولا إيه؟!

_إهربــــــــــي!

صرخ بها "سيف" بملء حنجرته وقدميه تقودانه عكس إتجاه البناية القابع بها منزلها.

أثارت قوائمُ الكلاب المصطدمة بالأرض غبارًا كثيفًا، فطارت بـ"هنا" أقدُامها، وصوتها خلفه يُخبره:

_ استنى، مش في الناحية دي!

لم يعد هناك أملٌ في تغيير مسار خطواتهما، فتلك الحيوانات المتوحِّشة تستمرُ في ملاحقتهما.

كادت "هَنَا" تختنقُ من حدةِ ركضها ومن شدة الهواء المندفع في رئتيها، فراح صدرها ينهجُ بتعبٍ بيِّن.

التوت ساقها اليمنى بسبب طول كعب حذائها، فتهاوى جسدها مرتطمًا بالأرض، التفت إليها "سيف" نصف التفاتةٍ برقبته، محافظًا على سرعةٍ عدوه، فتقلَّص وجهه بحنقٍ هامسًا:

_طب يا ربي أسيبها ليهم يتلهوا فيها وأهرب؟!

في طريقه إليها أضاف بخفوتٍ ساخرٍ وابتسامةٌ هازئة تلوح على جانب فمه:

فلنَعِش الجنونَ معًا. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن