عندما عاد حسن إلى المنزل، كان الليل قد بسط سطوته على القرية، غارقاً في صمت مريب لا يقطعه سوى صوت حفيف الأشجار المتمايلة تحت وطأة الرياح الباردة. دخوله إلى البيت كان كالظل، بلا ضجة، بلا صوت. تحرك ببطء كأنما يخشى أن يوقظ شيئاً نائماً، شيئاً يتربص في جنبات هذا المنزل العتيق.
صعد الدرج المؤدي إلى غرفة النوم، كل خطوة كانت تردد صداها في أذنيه، كأنما يخطو نحو هاوية لا قاع لها. توقف أمام الباب المغلق، أخذ نفساً عميقاً، يده ترتجف بشكل طفيف وهي تمتد لفتحه. عندما دخل، رأى ليلى نائمة بسلام، ملامحها الهادئة تبدو كلوحة نقية، لم يمسها شيء من الكوابيس التي تحيط به.
كانت لينا الصغيرة مستلقية بجانب والدتها، ذراعها ملتفة حول عنق أمها في عناق طفولي بريء. قلب حسن اشتد بالخفقان، عينيه تحومان بين القارورة التي يحملها في جيبه وبين وجه ليلى. لبرهة، ترددت عيناه على وجه ابنته، لكنه سرعان ما أبعدها، كأنما يخشى أن تقرأ الصغيرة ما ينوي فعله.
اقترب ببطء، جاثياً على ركبتيه بجوار السرير. لم يرد أن يوقظ ليلى، لكن مزيجاً من الخوف والتصميم كان يسيطر عليه. أخرج القارورة بيد ثابتة، نظر إلى السائل الشفاف الذي بدا الآن كأنه يتحرك في الداخل، يلمع تحت ضوء القمر الخافت المتسلل عبر النافذة. رفع رأس ليلى قليلاً، بحذر، وفتح القارورة ببطء، بينما كان يهمس بصوت يكاد يكون غير مسموع:
"ستكونين لي... إلى الأبد."
سكب السائل على شفتيها ببطء، قطرة بعد أخرى، كانت القطرات تتلألأ كنجوم صغيرة وهي تلامس فمها. سقطت أولى القطرات، ثم تبعتها أخرى، فابتلعت ليلى السائل دون وعي، عيناها المغلقتان ارتجفتا قليلاً، وكأنما رأت شيئاً في أعماق نومها المظلم.
ظل حسن متجمداً في مكانه، يراقبها، ينتظر شيئاً... أي إشارة تدل على أن التعويذة بدأت تعمل. قلبه كان ينبض بقوة، كأن صدره لا يتسع لأنفاسه المتلاحقة. لكنه لم يلاحظ شيئاً. لا اهتزاز، لا تغير، لا صوت. كانت ليلى لا تزال مستلقية، وجهها مسالم كما هو.
تنفس حسن الصعداء ببطء، ظناً منه أن كل شيء قد انتهى، أن كل ما عليه فعله الآن هو الانتظار حتى تستيقظ ليلى، وتصبح ملكاً له، كدمية في يده. لكنه كان مخطئاً... مخطئاً بطريقة لم يكن يتخيلها.
مرت الدقائق ببطء، كأنها ساعات، وحسن لا يزال جالساً بجوار السرير، ينظر إليها بعينين متلهفتين. وفي تلك اللحظة، شعرت لينا بحركة بجانبها، رفعت عينيها الصغيرة، ونظرت إلى والدتها. ثم حدث ما لم يكن في حسبان حسن.
عينا ليلى فُتحتا فجأة. لم تكن عيناهما البنيتان المعتادتان، بل كانتا تلمعان بضوء غريب، ضوء أحمر باهت كوميض الشمعة في الظلام. حدقت في السقف، جسدها كله مشدود، كأن قوة غامضة تسري في أوصالها. بدأت شفتاها تتحركان، تهمس كلمات لم يسمعها حسن من قبل، كلمات أشبه بالأنين، لكنها تحمل نغمة غاضبة، نغمة من عالم آخر.
أنت تقرأ
DAUTHTER
Horrorدماءٌ توارثتها نساءٌ بغير قصد، لعنةٌ خافتٍةٌ كالريح، لا تُرى ولا تُصد. فتحَت ليلى عينيها على ظلامٍ غريب، ملَكها السحرُ كجداتها، والشر منها اقترب. آهاتٌ تُحاكي الشوق للقبر والسهاد، وترنيمةٌ قديمةٌ في عروقها تسري كالسهاد. كلَّ ليلةٍ، تهمس لها الظلال ب...