الفصل 25:حينما تناديك السماء 💞💎

7 3 5
                                    

: حينما تناديك السماء

هل شعرت يومًا بأن قلبك يئن رغم كل شيء؟ كأنك تحمل هموم العالم كله بين ضلوعك، تسير بين الناس مبتسمًا، ولكن في داخلك جراح لا تراها العيون؟ في تلك اللحظات العميقة، هناك دعوة خاصة تنتظرك، دعوة من السماء. إنها ليست دعوة من أحد البشر، بل هي من الله، مالك القلوب والأرواح. إنها دعوة إلى قيام الليل.
.
حين ينام الناس وينسحب السكون على الكون، هناك شيء سحري يحدث. تفتح أبواب السماء وتُرسل أنوار لا تُرى إلا للقلوب التي اشتاقت إلى لقائها. قيام الليل هو اللحظة التي يختلي فيها المؤمن بخالقه، يكسر كل قيود الدنيا ويترك خلفه كل أثقالها. في تلك اللحظة، يتحول السكون إلى حديث عميق، إلى صلة روحانية بين العبد وربه.

تخيل معي هذا المشهد: العالم نائم، الليل هادئ، وأنت تقف بين يدي الله، تتحدث إليه في خلوة لا يسمعك فيها أحد. لا تحتاج لأن ترفع صوتك، فهو يسمع همسك ويعرف حاجتك قبل أن تنطق بها. إنها فرصة نادرة، وكأنها لقاء خاص بينك وبين ملك الملوك. في تلك اللحظة، تكون قريبًا منه، أقرب من أي وقت مضى.

قد تقول في نفسك: "ولكنني مرهق، مشاغلي كثيرة، لا أملك الطاقة لذلك." لكن دعني أخبرك سرًا: في كل ركعة تقفها، في كل سجدة تطيلها، ستحس بشيء غريب يحدث داخلك. ستشعر وكأن همومك تبدأ بالتلاشي، وكأن قلبك يخف شيئًا فشيئًا. إن قيام الليل ليس فقط عبادة جسدية، بل هو شفاء للقلب، هو تلك اللحظة التي يسكب فيها الله السكينة في روحك.

يا قارئي العزيز، لعلّك تشعر أحيانًا بأن الدعاء لا يُستجاب، أو أن حاجتك تتأخر في الوصول. ولكن هل جرّبت أن ترفع يديك في جوف الليل؟ في تلك الساعة التي قال فيها الله: "هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟" إنها لحظات ثمينة، لحظات قد تغيّر حياتك بأكملها. قد تفتح لك أبوابًا لم تكن تتوقعها، أو تنير لك دروبًا كنت تظن أنها مظلمة.

لا تظن أن قيام الليل يحتاج إلى ساعات طوال، بل ركعتين، ركعتين خفيفتين قد تكونان مفتاحًا لرحمة الله في دنياك وآخرتك. تلك الركعتان هما حديثك مع الله، هما صرختك الداخلية التي تنتظر إجابة من السماء. فلا تحرم نفسك من هذا الشعور، من هذه الخلوة العظيمة.

يا من تقرأ هذه الكلمات الآن، ربما قد اشتعل في قلبك شعور لم تعرفه من قبل. ربما تشعر بنداء في داخلك، نداء هادئ لكنه ملح. إنه الله يناديك في الليل، يناديك لتقوم، لتقترب منه، ليمنحك ما لا تستطيع الدنيا بأكملها أن تعطيك إياه.

فماذا تنتظر؟ قم الآن، اجعل تلك اللحظات بداية جديدة، بداية تتغير فيها علاقتك بالله. لا تتردد، فربما تكون تلك السجدة هي السجدة التي يكتب الله بها سعادتك الأبدية.

وتذكر دائمًا: من قام الليل لا يندم، ومن سجد لله في جوف الليل، فاز بحب الله ورضاه.

وأعلم أن قيام الليل ليس مجرد عبادةٍ إضافيةٍ نقوم بها، بل هو سر من أسرار السكينة. إنه تلك اللحظة التي تتخلى فيها عن كل شيء دنيوي لتلتقي بالمعنى الحقيقي لحياتك. كيف لا؟ وهو الوقت الذي اختاره الله ليكون مخصصًا لعباده المخلصين، الذين تركوا دفء أسرتهم، ونزعوا عن قلوبهم غبار الدنيا، وجاؤوا إليه بقلوب خاشعة، أملهم أن يجدوا عنده الراحة والطمأنينة.

في قيام الليل، كل شيء يبدو مختلفًا. الهواء الذي تستنشقه أعمق، والنور الذي يضيء قلبك أصفى، حتى آيات القرآن التي تتلوها تأخذك في رحلة من العظمة، كل كلمة فيها تكون بمثابة دواء لروحك، تنقلك من حالة الضيق إلى سعةٍ لا تُوصف.

تخيل وأنت تفتح مصحفك في تلك الساعة، والكون كله نائم، وأنت في ضيافة الرحمن. تفتح صفحات كتابه وتبدأ بالقراءة، فتجد أن تلك الآيات التي كنت تعرفها منذ الصغر، تفيض عليك بمعانٍ جديدة، تهمس في أذنك بكلمات كانت مخفية عنك طوال الوقت. كأنها تقول لك: "ها أنا هنا لأكون عزاءك، وسندك، وجبر قلبك."

يا من تقرأ الآن، إذا كنت قد تعبت من هموم الدنيا، إذا كنت تشعر بثقل الحياة على كتفيك، فإن جوف الليل هو ملاذك. لا تقل لنفسك "غدًا"، أو "ربما لاحقًا"، لأن اللحظة التي تضيعها الآن قد تكون الفرصة التي تنتظرك لتنقذك من كل ما يؤلمك. قم الآن، وتحدث إلى الله بصوتك، بهمومك، بكل ما لا تستطيع أن تقوله لأحد.

الله قريب، أقرب مما تظن، ينتظر منك تلك اللحظة التي تفتح فيها قلبك بكل صدق. لا تحتاج إلى كلمات معقدة أو أدعية محفوظة، فقط قل ما في قلبك، هو يفهمه قبل أن تنطقه. وستجد أن الليل الطويل قد أصبح قصيرًا، وأن مشاعرك المتعبة بدأت ترتاح، وأنك خرجت من قيامك أقوى، أهدأ، وأقرب إلى الله.

ولا تنسَ، قيام الليل ليس فقط عن حاجاتنا التي نطلبها من الله، بل هو عن القرب منه، عن تلك اللحظة التي نضع فيها همومنا جانبًا ونقول: "يا رب، أنا هنا فقط لأكون معك."

اجعل الليل صديقك، اجعل قيام الليل موعدًا لا تفوته، وسترى كيف تتحول حياتك من ضيقٍ إلى سعةٍ، ومن شتاتٍ إلى استقرار. إنها لحظات تنير لك الدنيا والآخرة، وتملأ قلبك بالسكينة التي تبحث عنها دائمًا.

فماذا تنتظر؟❤️‍🔥✨

رحلة إلتزام 💙💙حيث تعيش القصص. اكتشف الآن