الفصل الثالث: ملاذ بين الآثار

25 8 6
                                    


استيقظت ليال ببطء، عيناها ما زالتا مثقلتين بالتعب لم تنم سوى ساعات قليلة بعد أن أرهقت نفسها بقراءة روايتين متتاليتين طوال الليل كانت تحاول بذلك أن تشتت أفكارها، أن تبعد أشباح الماضي عن عقلها، لكن حتى في نومها كانت تطاردها الأحلام القاتمة الأحلام التي تذكرها بالليلة التي غيّرت كل شيء.

عندما نهضت أخيرًا من السرير، شعرت أن التوتر يلتف حول جسدها مثل شريط مشدود، لا يمكنها الإفلات منه. ألقت نظرة على المرآة أمامها، رأت انعكاس وجهها الشاحب وعينيها المتعبتين حاولت الابتسام لنفسها، لكن الشفاه ظلت متجمدة، لا تستجيب لأوامرها.

أدركت أنها بحاجة إلى شيء ما لتستعيد توازنها شيء يمكنه أن يشتت هذا الضباب الكثيف الذي يغشى عقلها. ربما زيارة إلى المتحف التاريخي ستساعدها هذه العادة التي بدأت تلازمها منذ تلك الليلة الدامية، كانت تجد في المتاحف نوعًا من الهدوء الذي لا تجده في أي مكان آخر. كانت تجد فيها ملاذًا من ضجيج الحياة ربما كان السبب هو جهاز الموسيقى القديم الذي وُجد بجانب والدتها في تلك الليلة، جهاز ينبض بذكريات من عصر آخر، لكن الحقيقة أنها لم تكن تعرف ما الذي زرع هذه الرغبة بداخلها كلما كانت تواجه التوترات والقلق، كانت تجد نفسها تنجذب إلى عالم الآثار والتحف القديمة.

ارتدت معطفها الخفيف، وأخذت حقيبتها الصغيرة، ثم غادرت شقتها الشوارع كانت هادئة في هذا الصباح البارد، والأجواء ملبدة بغيوم خفيفة تنذر بيوم رمادي سارت ليال بخطوات سريعة نحو المتحف، محاولة أن تركز على صوت خطواتها على الأرصفة، متجنبة التفكير في جريمة الليلة الماضية.

عندما وصلت إلى المتحف التاريخي، شعرت بشيء من الراحة ينساب في عروقها، وكأنها قد خطت إلى عالم آخر، عالم بعيد عن التوتر والذكريات المؤلمة وقفت أمام البوابة الكبيرة للحظة، ثم دفعتها ودخلت، مستعدة لمواجهة هدوء الآثار والصمت الغامض الذي يسود المكان.

كانت تتجول بين الأروقة، تراقب المعروضات والزجاج الذي يحفظ بقايا العصور الغابرة شعرت أن أنفاسها تهدأ قليلًا، وأن عقلها بدأ يستسلم لهذا السكون العتيق هنا، بين الجدران القديمة والأضواء الخافتة، وجدت ليال لحظات من السلام، ولو كانت لحظات قصيرة ومؤقتة.

ولكن، حتى وسط هذا الهدوء، لم يكن بإمكانها الهروب من الأسئلة التي بدأت تزعجها لماذا عاد هذا الكابوس ليطاردها بعد كل هذه السنوات؟ ولماذا كانت جريمة قتل إيثان تتشابه إلى هذا الحد مع ما حدث لوالدتها؟ كانت تشعر بأن هناك شيئًا ما خفيًا، رابط غامض يجمع بين الماضي والحاضر، ينتظر من يكتشفه.

بينما كانت ليال تتنقل بين أروقة المتحف وتتفحص المعروضات المختلفة، استوقفها شيء غير مألوف، كان شاب يقف أمام إحدى المعروضات، ينظر إليها بتركيز غير عادي، لم يكن فقط ينظر، بل كان يبدو وكأنه يغرق في أعماق شيء لا يمكن لأحد سواه رؤيته، سكونه كان مهيبًا، والهواء من حوله مشبع بهالة غامضة، وكأنه يحمل معه ثقلًا من الأفكار والذكريات التي يعجز عن مشاركتها مع أحد

سراديب الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن