-6-

353 30 16
                                    





تشانيول كان يجلس وحده في زاوية منزله الصغير المظلم، المساحات حوله خالية، الجدران بالكاد تحمل بضع علامات قديمة، وأثاثه متهالك ومتواضع، يكاد يكون خالياً إلا من الضروريات. كانت أفكاره متشابكة، تدور حول ما فعله في العيادة، وما قد يكون سببته أفعاله تلك. كانت الليلة صامتة، لكنه شعر بطنين عميق في رأسه، صوت أفكاره المتصارعة التي لا تهدأ، وكلما حاول تجاهلها، عادت لتلاحقه بقوة أكبر.

لقد كان فعلته في العيادة مفاجئة حتى له؛ في تلك اللحظة التي رأى فيها الرجل يهين بيكهيون، لم يتردد، بل انطلق فيه شعور فوري يسيطر عليه. دون تفكير، وجد نفسه يدافع عن بيكهيون بطريقة شرسة. لم يتوقع أن يجد نفسه في تلك الوضعية، أن تتصاعد فيه غريزة الحماية بشكل عميق، ولكنه عرف في أعماقه أنه كان سيفعلها مرة أخرى دون تردد لو عاد الزمن.

لكن، رغم ذلك، ما حدث لم يكن سهلًا عليه، فقد انتابه شعور بالحيرة والخوف بعد رحيله عن العيادة؛ تلك النظرة التي تلقاها من بيكهيون لم تكن كأي نظرة من قبل. كان هناك شيء من الغضب، شيء من الاستياء، وربما أيضاً شيء من الارتباك، وكل هذا كان يثقل قلبه ويملؤه بالخوف.

تشانيول لم يكن يعرف كيف يتعامل مع هذه المشاعر المتضاربة. فكر كثيرًا، هل كان يستحق الرجل الضرب؟ نعم، ربما كان يستحقه، بل كان يستحق أكثر من ذلك بسبب كلماته المقززة والمسيئة التي وجهها لبيكهيون. ولكن، في ذات الوقت، لم يكن مستعداً لفكرة أن بيكهيون، ذلك الشخص الذي أدخل في حياته شيئاً من الحنان والدفء، قد يكون غاضباً منه.

تشانيول لم يعتد على الاهتمام. طوال حياته، كان غير مرئي بالنسبة للجميع، حتى عائلته. كان مجرد أحد الأبناء في عائلة ممتلئة. منذ صغره، لم يكن له مكان خاص في قلب أحد، ولم يكن يلفت الأنظار. تذكر كل تلك الليالي التي قضاها وحده، دون أي كلمة تشجيع أو لمسة حنان. كان دائماً وحده، مغموراً في عزلته، لا أحد يكترث لأمره، سواءً كان سعيداً أم حزيناً، حياً أم ميتاً.

لكن كل شيء تغير بعد لقائه ببيكهيون، الطبيب الذي كان مختلفاً عن الجميع. منذ اليوم الأول، شعر أن بيكهيون رأى فيه شيئاً مميزاً، لم يكن ذلك التعاطف الزائف الذي يتبادله الناس من باب المجاملة، بل كان اهتماماً حقيقياً. كل مرة كان يأتي للعيادة بجروح أو حروق، كان يجد بيكهيون هناك، بنظرته الحنونة وابتسامته الدافئة التي كانت تعكس أماناً لم يختبره من قبل. تشانيول، الذي لم يعتد على الاهتمام، وجد نفسه يغرق في دفء هذه العناية، وتعلق ببيكهيون تعلقاً لم يكن يعرف أنه قادر عليه.

لذا، كانت فكرة خسارة بيكهيون قاسية جداً عليه، شيء لا يستطيع حتى مجرد التفكير فيه. لكن، ومع ذلك، لم يكن يعرف كيف يصلح الأمر، كيف يقترب من بيكهيون مجددًا دون أن يشعر بالارتباك والخجل. لم يعتد على الاعتذار أو التعبير عن مشاعره، كان دائماً صامتاً، يخفي مشاعره وراء جدران من الصلابة والصمت.

Strong arms | أذرع قويهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن