أسرار الماضي

0 0 0
                                    

الفصل الرابع: أسرار الماضي

عاد ليام إلى المقهى في اليوم التالي، منتظرًا مجيء إميلي بشعور من الترقب المختلط بالقلق. لم يكن قد اعتاد على هذا الشوق، فهو شخص اعتاد الوحدة والابتعاد عن العلاقات المعقدة. كان يشعر أن كل لقاء مع إميلي يكشف جزءًا من قلبه الذي اعتاد إغلاقه لسنوات، وأنه يجد راحة غريبة في حضورها وفي كلماتها الدافئة.

حين دخلت إميلي، رفعت يدها ولوّحت له بابتسامة مشرقة، شعرت بالسعادة لرؤيته، وكأنها ترى صديقًا عزيزًا. جلست أمامه وهي تحمل فنجان قهوتها، ثم بدأت حديثها كأنها كانت تتابع قصة من يوم الأمس.

"ليام، أردت أن أخبرك عن شيء أعتقد أنه يخصك. كنت أتساءل دائمًا عن السبب الذي دفعك إلى أن تكون هنا، وحيدًا مع موسيقاك."

شعر ليام بالتوتر للحظة، لكنه حاول أن يحافظ على هدوئه. كان يعلم أن الحديث عن ماضيه ليس بالأمر السهل، خاصة أمام شخص جديد، لكنه قرر أن يشاركها القليل.

"إميلي، لقد كانت حياتي مليئة بالأشياء التي لم تسر كما كنت أتمنى. لم يكن لدي عائلة كبيرة أو أصدقاء حقيقيون. كان هناك أشخاص يأتون ويرحلون، لكن الموسيقى كانت الشيء الوحيد الذي يبقى. كانت طريقتي في الهروب من كل شيء."

نظرت إليه إميلي بنظرة تعاطف واهتمام حقيقي. وقالت بلطف: "أفهم، أحيانًا نجد أنفسنا في حالة من التوهان، ونتعلق بأي شيء يمنحنا بعض الثبات. لكن لا أعتقد أنك وحدك الآن، ليام."

كانت كلماتها صادقة لدرجة أن ليام شعر بشيء من الارتياح. قرر أن يفتح قلبه قليلاً ليعرفها على جزء من ماضيه، فتابع قائلًا: "لقد كانت لدي علاقة في الماضي، علاقة كانت تعني لي الكثير، لكنها انتهت بشكل مفاجئ. تركت في قلبي جرحًا عميقًا لم أتمكن من تجاوزه."

وضعت إميلي يدها على يده برفق، وقالت: "أحيانًا علينا أن نترك الماضي خلفنا لنفتح الباب للحاضر. قد يكون الأمر صعبًا، لكنه السبيل الوحيد لتجد السعادة."

شعر ليام بالامتنان لكلماتها، كان يعلم أن إميلي تفهمه بطريقة لا يقدر عليها أحد، وأنها لا تحكم عليه أو تطالبه بأن يكون شخصًا آخر. كانت فقط تشجعه على أن يكون على طبيعته وأن يواجه مخاوفه.

بعد لحظات من الصمت، ابتسم ليام وقال: "أتعلمين، أعتقد أنني قد أكون مستعدًا لأشاركك المزيد من موسيقاي. هناك مقطوعة خاصة لم أسمح لأحد بسماعها من قبل."

ابتسمت إميلي وقالت بحماس: "سأكون أول من يسمعها، وأعدك أن أستمع بكل كياني."

نهض ليام واتجه إلى البيانو، وبدأ يعزف بلحن عميق يمتلئ بالحزن والأمل في آن واحد. كانت الموسيقى كأنها رسالة من قلبه إلى قلبها، تعبّر عن كل ما لم يستطع قوله بالكلمات. وبينما كانت أنامله تتراقص على المفاتيح، شعرت إميلي بالدموع تملأ عينيها، فقد أحست بكل ذرة ألم وأمل في نغماته.

حين انتهى من العزف، نظر إليها ليام بتردد، لكنه شعر براحة غير مألوفة وهو يراها متأثرة. قالت له بصوت خافت ومشبع بالعاطفة: "كانت رائعة، ليام. شكراً لك على مشاركتي هذا الجزء من نفسك."

ابتسم بخجل وقال: "أعتقد أنني بدأت أجد نفسي بفضل وجودك. لقد كنت دائمًا خائفًا من أن أسمح لأحد بالدخول إلى عالمي، لكنك جعلتني أشعر بأن هناك من يستحق."

في تلك اللحظة، أدركت إميلي أنها وجدت في ليام شخصًا نادرًا، شخصًا يحمي قلبه بحذر لكنه صادق ونقي. كانت تشعر بأنها تقترب منه أكثر فأكثر، وأن كلاً منهما بحاجة للآخر ليكمل رحلته الخاصة.

أثناء مغادرتهما، تبادلا نظرة لم تكن بحاجة إلى كلمات. كانت نظرة تحمل وعودًا غير معلنة، وملاذًا من الأمان والراحة في عالم مليء بالفوضى.

اغنية المساء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن