صلّوا على الصّادق الأمين.
اذكرُوا الله يذكُركم.
_
يفورُ منّي هلع لا مناصَ منهُ، يخترقُ جُثماني خليّة فخليّة، ذرّة فذرّة، رُبَمَا تُعاد إخاطَته بعد تدمِيره طيشًا وبدَرانًا، لكنّه غالبًا ما يُبعثَر ويتقهقَر قبل لَملمة الفُتات.
وفي نهاية الطّريق، يظلّ الهلع الظّافر الوحيد.عَنِتت أحلامي بانتِكاسها الأخير، فبعدما كانت المَحيص الوحيد من وَاقعي الغير مرغوب، بدأت تتقلّب وتتغيّر على نفسي حتّى يثورُ شتاتي ويبعُد إلى أقاصي الحُدود، لكن اليوم، رأيتُ نورًا حُلوًا اخترقَ لذُوعة الدّواكن المُخيفة، وباغتَني ذلك الرّجل الأنانيّ الغرور الّذي آثرَتهُ أمّي عني، ذلك الفارس الّذي نوّر لها حياةً رَقيق ودود، وحُب ورديّ هادئ.
في البدايَة، كان هذا الرّجل يجعلني أشمئزّ إلى أبعد حدّ، أثورُ ويفورُ جُلّ غيظي وغضبي على هذا الكيَان الحَنون، وأكرههُ بكُل جوارِحي ومن أعمَق نُقطة على عرشِ قلبي، ينَل المرتبَة الأولى في كُرهي.
إن هذا الرّجل، الكيَان الأبيض النقيّ، قد حطّم كل حُلم جميل حلمتُه جنبًا إلى أمي، وكل لَوحة مليئة بالألوان رَسمتها مع أمي، وكُل المحَاسن الّتي تخيّلت يومًا أن أغنّي لها بكُل طاقة وحُرية، محاسنُ أمّي الّتي كانت ظلًّا وحُبًّا،ورِفقة حنون.
إن هذه الهيئة المُظللة بالبرَاءةِ والحنوِ سلبَتني حُريّتي وأنفاسي، ثمّ قطّعت أورَاق أحلامي ولوحَاتي الّتي رسمتها مُخيلتي، وبعثرت كلِماتي وألحاني الّتي أقلّها حُب.
إن هذا الرّجل النقيّ الأحنّ، قد قتلَ حياة وَاسعة الحُرية قد رسمها طِفل نادتهُ أمه يومًا إيلّ، قتلَ رُوحًا مُفعمة بالبَهجة والحياة ثم بدّلها بأخرى مُدنسة داخل جسدٍ لا آمن.
إن هذا الرّجل، الّذي لا يُستخلص منهُ الحُب، سلبَ حُلما جميلا حلمتهُ يومًا بأن أركض في السّاحات القريبة من ذاك المبنى الأبيض الضّخم، فتدورُ معي أسرة ورديّة هادئة بالحُب، توبّخني فأبتسمُ لها حُبا، أكاد أطيع مُذعنا، لكنّي أضيعُ مع رياحِ الطّيور؛ حُرّا.
لكنّ هذا الرّجل، صاحِب الرّوح البيضاء النقيّة المُحسّنة بالبرَاءة والّتي جملها خليطٌ من الحنو والحُب، لم يكُن يومًا شرّيرًا، لم يكُن يومًا بغيضًا، بل كان كُل يوم عطوفًا، في حُلمي أنا.
تدومُ زيارَة هذا الرّجل لي بمَنامي، يُشاركني نُدرة لحظات دفئي وبَهجتي، ويُربت على كلا كتفي ورُوحي مع وَفرة لَوعتي وذُعري، ودومًا ما يُنزل عليّ قدرًا هائلًا من السّكينة، فما أعجَب أن يأتِ هذا الكمّ المُفرط من أمان النّفس وسلامتُها ممّن قتلَ أحلامي وروّع حياتي!
YOU ARE READING
بَين كفّين.
Randomالبشريّة كانَت قضيّة حُلوَة المذَاق، لكنّ مَرارة مُباغتة قد لسَعت حواسّي في نِهاية الطّريق، وبدلًا مِن إشبَاع نَفسي بحُلوها، نبشتُ بالمُرّ فيها والتهمتهُ دُفعة واحِدة، فوقعتُ أسيرًا، أسيرٌ لِذلك الكمّ الجذّاب مِن الغَباء البَحت، ورِياح الفُضول العَل...