صباح اليوم التالي
كان القصر يعج بالحركة، استعدادًا لـ "المأدبة ". الخدم يتنقلون بسرعة بين أروقته، يعلقون الزينات الذهبية بعناية، ويضعون الأزهار العطرة في المزهريات الكريستالية، فتعبق الأجواء برائحة الياسمين والورد. أما في المطبخ السفلي، فكان الطهاة منهمكين في إعداد الأطباق الفاخرة، حيث امتزجت رائحة التوابل المحمصة برائحة الخبز الطازج، وكأن المكان بأسره يستعد لليلة لا تُنسى.
لكن وسط هذا كله، كانت روزالين لا تزال ممددة على السرير الكبير، غير مكترثة بكل ما يجري حولها. عيناها شاردتان في سقف الغرفة، فيما عقلها لا يزال عالقًا في كلمات ألكسندر ليلة البارحة.
"مارجريت..."
الاسم وحده كان كفيلًا بأن يزرع إحساسًا خانقًا داخلها. من تكون هذه المرأة التي استطاعت أن تمتلك قلبه؟ لا شك أنها جميلة... راقية... مثالية بكل المقاييس. حاولت أن تبعد الفكرة، لكنها ظلت تتسلل إلى ذهنها، تعذبها بأسوأ الصور التي يمكن لعقلها أن يتخيلها.
شعور غريب لم تكن تجرؤ على تسميته راودها، إحساس بالضيق، بالغيرة، لكنها رفضت الاعتراف به حتى أمام نفسها.
طرقات خفيفة على الباب، ثم دَخلت إليانور دون انتظار إذن، تحمل معها طاقة مغايرة تمامًا لصمت روزالين.
وقفت أمام السرير، تنظر إليها بعينين لامعتين قبل أن تقول بمرح:
"ألن تنهضي؟ عليكِ أن تري ما سترتدينه الليلة!"
تمتمت روزالين، دون أن ترفع رأسها، وهي تضع يدها على جبينها في محاولة لإبعاد أفكارها المزعجة:
"هل يجب أن أكون موجودة؟"
ضحكت إليانور بخفة، ثم اقتربت أكثر، قائلة بنبرة مرحة:
"بالطبع! الحفل أقيم من أجلكم. ثم إن أختي وزوجها سيصلان بعد قليل، أريدك أن تكوني مستعدة لاستقبالهما."
لم تجد روزالين حجة للرفض، فاكتفت بهز رأسها موافقة. لم تكن في مزاج يسمح لها بمقاومة أي شيء هذا الصباح. أشارت إليانور إلى مجموعة الفساتين المعلقة في الجهة الأخرى من الغرفة، ثم ابتسمت ابتسامة مشجعة:
"اختاري ما يعجبك."
نهضت روزالين أخيرًا، كأنها تنفض عنها خمول الصباح. مشت ببطء نحو الفساتين، تتأملها بصمت.
كانت الأقمشة غنية، والتطريزات فاخرة، لكن لم يكن أي منها يعجبها حقًا. لم تحبذ الفساتين الضخمة ذات الكورسيه الضيق الذي يكتم أنفاسها، ولا تلك المكشوفة عند الصدر، والتي يعتبرها النبلاء عنوانًا للأناقة.
أرادت شيئًا بسيطًا، عمليًا، لا يقيد حركتها.
مدّت يدها أخيرًا إلى ثوب ناعم من الحرير السماوي، تصميمه بسيط، بلا زينة مبالغ فيها، فقط تطريز خفيف عند الأكمام. ارتدته، ثم جمعت شعرها في تسريحة غير متكلفة، لم تهتم كثيرًا بأن تكون مثالية.

أنت تقرأ
فوضى
Historical Fictionفي ذروة الاضطرابات التي تعصف بمملكة فرنسا، إذ تموج البلاد بصراع طبقي لا يرحم، تصل الآنسة روزالين، شابة ذات طموح وعزم، إلى قصر آل مونتيني، حيث عهد إليها بتعليم ابنتهم الصغيرة. إلا أنّ القصر، بشموخه وأبهته، لا يخفي ما يعجّ به من أسرار دفينة وخلافات مس...